" نحن اقمنا حركة الاخوان المسلمين ضد ثورة 26 سبتمبر " ، بهذه العبارة كان القيادي الاخواني عبدالله العديني يشير الى حقيقة واضحة كمن يشير باصبعه الى الشمس في كبد النهار.
لذا لم تكن صدمة حديث العديني بأنها كشفت المستور بل لأنها جاءت بهذا الوضوح ومن قيادي رفيع وفي مرحلة ضعف وليس قوة ، كان يتوقع فيها ان تلجأ الجماعة للتقية بدلا عن كشف حقيقتها.
يؤكد العديني في التسجيل الصوتي الذي ذاع صيته ، على " جاهلية " ثورة 26 سبتمبر وعلى ضرورة ان توضع " تحت الاقدام ".
تكفير العديني لثورة سبتمبر لم يكن شاذا في تاريخ الجماعة التي سبق وان اشهرت هذا السلاح في وجه مشروع الوحدة الذي تزايد به اليوم لشرعنة الحرب ضد الجنوب.
وهي ذات المزايدة التي تمارسها اليوم مع ثورة سبتمبر نكاية بالحوثي ، رغم انها من الاسباب التي وفرت البيئة المناسبة للحوثي كما يقول الصحفي / نبيل الصوفي احد اعلامي جماعة الاخوان البارزين في الماضي.
ففي مقال له يسرد الصوفي كيف أسهم الإخوان في تفريغ مضامين "26 سبتمبر" وتهيئة أرضيّة عودة الإمامة بنسختها الحوثية ، يؤكد فيه حديث العديني على عداء الحركة للثورة والجمهورية بعد فشل حركتهم الدستورية ضد الامام في 48م ، حيث كانت تتركز احلامهم بـ " مملكة اسلامية دستورية " ، لا اكثر.
هذا يفسر بحسب – الصوفي – الغياب التام لتواجد الاخوان اثناء قيام ثورة سبتمبر ،قبل ان يعاودوا نشاطهم بعد نجاح الثورة لاحتواءها من خلال ارتباطهم" بالقوى الاجتماعيّة التقليديّة التي كانت ضد الإمامة، ولكنها ليست مع التّغيير الثوري في إدارة المجتمع، حيث لا تدعم قيام جيش، وتعتبر القبيلة ومشايخها هم من يجب أن يرثوا “السُّلطة” عن الإمامة".
وبالمحصلة فقد تعاون الاخوان مع القبائل الملكيّة في الحرب ضد الجيش المصري، ونسَّقت الأدوار الميدانية فيما بينها ، كما يقول الصوفي الذي يشير الى نشاطهم الذي ظهر عقب المصالحة (عبر عنوان وسط بين الملكيّة والجمهوريّة هو “الطريق الثالث”، يمثّل ما بقي من أحلام “دولة الدستور الإسلامي” لثورة 48م).
وعبر المعاهد العلمية التي انشئت في عهد الارياني بدأ النشاط الفعلي للاخوان لاحتواء الجمهورية وتم تفعيلها في عهد الحمدي وسلمت للقاضي يحيى الفسيل ، الذي يقول عنه الصوفي بأنه من (أبرز القيادات التي وقفت ضد الجمهورية اعتقاداً بأنها “فعل ضد الدِّين”، حتى عاد إلى الصف الجمهوري مع تأكيدات قدرته على العمل لأجل “الدّين” داخل دولة الجمهورية).
مشير الى ان حضور الاخوان شهد عصره الذهبي في رئاسة علي عبدالله صالح، ويقول هنا : تمكنوا من المعاهد العلمية، وتوغلوا في وزارتي التربية، والأوقاف، وبدأوا حملات منظمة ضد كل رموز الثورة السبتمبرية، باعتبارهم رموزاً للانحلال الأخلاقي والإلحاد ،وغيره من العناوين التي سيطرت على الثقافة المجتمعيّة باتجاه معاداة مفاهيم الحداثة والمدنية، تحت يافطة محاربة القومية والعلمانية "الكافرتين"، وبالنتيجة تصفية الفكر والثقافة السبتمبريتين.
ويشير الصوفي الى حقبة الوحدة وموقف الاخوان الشهير بتكفيرها ورفضها ، وما شهدته سنوات الوحدة الأولى من حملات تكفير إخوانية ضد اليسار بكل تنويعاته، وصولا الى حرب 94 التي سيطروا عبرها على الجنوب.
يقول الصوفي : مثَّل الانتصار الكبير لرؤية الإخوان وخطابهم، وتحوّل خطابهم الديني إلى مصالح كبرى لهم في الدولة والمجتمع، دعوة للأطراف الأخرى التي تستخدم الجملة الدينية للتعبير عن حضورها ،فنشأت جماعات مختلفة، سلفية وصوفية، ثم الحركات المرتبطة بالثورة الإيرانية، وآخرها الحوثية.
يؤكد الصوفي بأن الحوثي هو " ابن شرعي للإخوان " ، ويفسر ذلك بالقول بأن : الطبيعة الدينية المذهبية للإيديولوجية الإخوانية، مع تمكُّنها من التغلغل، مستغلة مؤسسات الدولة، في معظم مناطق اليمن، ومن ضمنها المناطق الزيدية، واستقطابها مصالح مغرية، شكّلت حالة استفزاز مذهبي أسهمت في إثارة النشاط الزيدي، على يد تنظيم الشباب المؤمن.
ويختم الصوفي مقاله بالقول : عبر جهودهم الدائمة في تقويض روح الجمهورية، وإعادة سطوة الفتوى والخطابة وتقديمها للناس وكأنّها دين وليست رأيَ قائلها، وإرهاب الفعاليات الاجتماعيّة والثقافيّة وصولاً حتى للأزياء والحفلات والكلمات المتداوَلة، وفَّر الإخوان المسلمون في اليمن أرضيّة خصبة لإحياء الإمامة الكهنوتية بنسختها الحوثيّة.
ويضيف بان ذلك تم : باستعادة الخطاب الدّيني السّياسي، قاعدة الحُكم الإمامي الفكريّة والإيديولوجيّة، ومحاربة فكر وثقافة ثورة 26 سبتمبر الحداثية، من جانب، وتحفيز التطرُّف داخل المذهب الزيدي من الجانب الثاني، والنتيجة ما نراه اليوم من إصرار حوثي على استكمال تدمير بقية مداميك البنية السبتمبريّة الثقافيّة والسّياسية في اليمن.