برنامج رئيس الوزراء
منذ اليوم الأول، بدأ رئيس الوزراء الجديد حملة دعائية تهدف إلى بناء رصيده الشخصي. استهلّ ولايته بلقاء مع سفراء الاتحاد الأوروبي في اليوم التالي لتعيينه، قبل أداء اليمين الدستورية في هفوة بروتوكولية لم تشهدها الحكومات اليمنية سابقًا، ما كشف عن عجلة واضحة في خطوات "ساكن حقات" الجديد.
بعد أسبوعين تقريبًا من أدائه اليمين، زار بن مبارك موسكو، كأول محطة خارجية له. زيارة، قال إنها كانت مخططة منذ كان رئيسًا للدبلوماسية اليمنية. لكن النتائج المعلنة عن الزيارة كشفت عن سوء تقدير لمصالح حكومته، في ظل الصراع المتفاقم بين القوى الكبرى. فقد تمكنت روسيا، التي دعمت معسكر الحوثيين وإيران في معركة البحر الأحمر، من الفوز بحقوق امتياز للاستثمار في قطاعات حيوية، بما في ذلك الثروة السمكية، ما قد يتيح لها نشر سفن تجارية ذات مهام استخباراتية وعسكرية في المياه الإقليمية تحت غطاء تأهيل موانئ الاصطفاف اليمنية.
في الشهر التالي، زار بن مبارك حضرموت كأول زيارة داخلية له، ليترك المحافظة في حالة غير مسبوقة من عدم الثقة بالحكومة المركزية. وفي مايو، قدم بن مبارك لمجلس القيادة الرئاسي إطارًا عامًا لأولويات المرحلة، سمّاه "برنامج عمل رئيس الوزراء"، بدلاً من برنامج الحكومة المنصوص عليه في الدستور، في سابقة لم تحدث من قبل. مركزًا في الوقت نفسه على زيارات ميدانية تظهر بساطته، لكن حملته الدعائية لم تدم طويلًا أمام تغير أولويات الناس وسيطرة وسائل التواصل الاجتماعي.
برنامج الحكومة
وفقًا للدستور، كان من المفترض أن يقدم بن مبارك برنامج حكومته إلى البرلمان أو على الأقل للمجلس الرئاسي، يتضمن الأولويات التي جاء من أجلها التغيير. لكن ذلك لم يحدث، كما لم تقدم الحكومة موازنة قابلة للرقابة، ما كان يمثل مدخلًا لصدق النوايا في حوكمة السياسات التنفيذية ومكافحة الفساد.
تحقيق الاستقرار الاقتصادي
في الأيام الأخيرة لحكومة معين عبدالملك، تدهور سعر العملة الوطنية ليصل إلى نحو 1300 ريال للدولار الواحد، ما كان كافيًا لإزاحته من منصبه. لكن العملة المحلية استمرت في التدهور خلال عهد حكومة بن مبارك لتتجاوز حاجز 2200 ريال للدولار مع نهاية العام الأول. في هذا الوضع، بدا أنه لا يوجد في الحكومة من يمتلك الخبرة أو النظرة الاقتصادية المطلوبة لإدارة أزمة اقتصادية خانقة.
ورغم تدخلات السعودية المالية في الماضي التي كانت تحقق نوعًا من الاستقرار النقدي، إلا أن تلك التدخلات لم تُحدث الأثر المنشود. وقد ساهم استمرار تواجد الحكومة وأعضائها في الخارج، واستحواذ السلطات المحلية وفصائل النفوذ على المزيد من الموارد، في استمرار الأزمة.
مكافحة الفساد
قال رئيس الوزراء في زيارته الأولى لجهاز الرقابة والمحاسبة، إن تلك الزيارة هي أكبر دليل على جديته في مكافحة الفساد. كما تحدث عن توفير مؤقت في فاتورة الوقود لتشغيل محطات الكهرباء، لكن ذلك لم يستمر، حيث عادت فاتورة الكهرباء لتزيد عن 60 مليون دولار شهريًا.
من الواضح أن هناك خلطًا بين ترشيد الإنفاق، وهو أحد الإجراءات الضرورية لاحتواء عجز الموازنة، وبين مكافحة الفساد، التي تقع ضمن اختصاص أجهزة رقابية مستقلة. لم يحدث في تاريخ الحكومات أن أنجزت هيئة رقابية تقاريرها بناءً على طلب رئيس الجهة محل الرقابة، ثم سلمتها إليه!
مكافحة الفساد تعني ضمان الإدارة الرشيدة، من خلال تقوية آليات المحاسبة، وتشكيل اللجان المختصة مثل اللجنة العليا للمناقصات وهيئة مكافحة الفساد وفقًا لمبدئي الشفافية والنزاهة.
أزمة الطاقة الكهربائية
من جراء عدة أسباب، من بينها تدهور العلاقة مع السلطات المحلية، واستمرار عمليات التقطع لناقلات النفط الخام، إلى سوء الإدارة الحكومية، غرقت مدينة عدن في أطول ساعات ظلام شهدتها على الإطلاق خلال فصل الشتاء. ومع اقتراب شهر رمضان وفصل الصيف، الذي قد يمثل اختبارًا حاسمًا لمستقبل التوافق الرئاسي والحكومي، فإن الواقع يعكس فشلًا في تقديم حلول جذرية.
لقد نادينا مرارًا وتكرارًا بأن برنامج الحكومة لا يجب أن ينغمس في تفاصيل ترفيهية، بل يجب أن يركز على ثلاثة أولويات فقط: احتواء التدهور الاقتصادي، مساعدة الناس على الصمود، وتحسين خدمة التوليد الكهربائي في مدن الساحل، بالإضافة إلى دعم القوات المسلحة والأمن لمواجهة التهديدات الإرهابية.
تدهور العلاقة بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية
من غير الممكن إنكار أن الدولة نجحت مؤقتًا في امتصاص تداعيات الهجمات الحوثية ضد المنشآت النفطية على مدى عامين مضيا. لكن الوضع تغير بشكل سريع، حيث تراجعت الإيرادات المحلية من المحافظات بنسبة تجاوزت 80% عن العام السابق. وفي ظل استمرار غياب الثقة بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية، بات خطر توقف الدولة عن الوفاء بالتزاماتها الوظيفية أمرًا وشيكًا، مما يهدد شرعيتها في أعين المواطنين.
على المستوى الرأسي، لم يسبق أن استخدمت أي حكومة مؤسساتها ومنابرها لتسريب الوثائق والأوامر الداخلية للإضرار بالحلفاء، كما حدث في الأشهر الأخيرة. هذا التوجه لم يصب في مصلحة الدولة أو تحالف دعم الشرعية، بل ساهم في استنزاف قيادات الدولة وتوجيه الخلافات الداخلية لصالح المليشيات الحوثية، في وقت كان من المفترض فيه استعادة القرار الداخلي وتحقيق استقرار الأوضاع.