" ماذا تريد أن تكون عندما تكبر؟"؟؟؟ من منا لم يُسأل هذا السؤال في طفولته ؟.
سؤال رغم بساطته بالنسبة للأطفال الا أنه يحمل كل معاني وتعقيدات الحياة، ورغم تكرار هذا السؤال الا اننا لم نتنبه لمحاولة ترجمة الإجابة عليه او توضيح الصورة أكثر لأولادنا وطلابنا في المدارس ولمن يريد ان يجيب علىهذا السؤال. فالطفل يخضع منذ ولادته لنظام تربوي وأسري ومجتمعي تحدده توجهات أبويه ورغبتهما في اختيار طرق التنشئة التي يرونها ملائمة له؛ ثم تأتي مرحلة الدراسة والتعليم، حيث يدخل الطفل باب المدرسة لأول مرة وهو لا يدري أن مستقبله مرهون بمساره الدراسي. وتعتبر هذه الفترة من حياة الإنسان بمثابة المحدد الرئيسي لكينونته ولمستقبله. لهذا ونظراً لما تكتسيه مرحلة الدراسة من أهمية، كان لابد من اتباع نظام ناجع للمواكبة والتتبع والإرشاد و التوجيه للمسار الدراسي والتنشئة للطفل باعتباره إنسانا غير راشد، ليتسنى له اجتياز مراحله التعليمية في أفضل الظروف و اكتساب المهارات و القدرات الكفيلة بدخوله سوق العمل ومعترك الحياة بحسب مؤهلاته و ميوله ، ليحظى بالمكانة التي يرغب بها في مجتمعه الصغير والكبير، وفي هذا الاطار ونتيجة للأحداث التي تمر بها بلادنا والفراغ الثقافي والتوعوي الناتج عن ذلك ، ولتحصين شبابنا من قوى الشر التي تحاول توظيف طاقات الشباب في قضايا الإرهاب والفوضى في البلاد، فقد ارتأينا أن نسلط الضوء على موضوع التوجيه والإرشاد المهني لما له من أهمية كبرى بالنسبة لكل المعنيين في الشأن التربوي والتعليمي سواء أ كانوا تلاميذا أوآباء وأمهات وأخصائيين تربويين أومسؤولين حكوميين او خطباء جوامع وواعظين.
فالتوجيه والإرشاد المهني هو عملية منظمة تهدف إلى مساعدة الفرد/ التلميذ على فهم ذاته ومعرفة قدراته واكتشاف ميوله لحل مشكلاته والوصول به إلى نوع من الملاءمة بين تطلعاته ومؤهلاته من جهة واحتياجات المجتمع والفرص التعليمية والمهنية المتاحة من جهة أخرى.
وحيث أن سلوك الأفراد يظهر ويستمر بفعل مؤشرات المحيط الذي يتواجدون فيه؛ وكما هو معلوم فالتيار السلوكي مبني على مبدأ الاستجابة وبالتالي فإن الاختيار المهني والدراسي ما هو إلا استجابة للوسط والمجال الذي يتحرك فيه الفرد سواء كان هذا الوسط دراسيا أو اجتماعيا أو طبيعيا. ولذا فإننا بحاجة إلى تنظيم وتأطير وسط الفرد/التلميذ، ولهذا يجب أن يكون التدخل على مستوى وسط ومحيط الفرد وليس الفرد بحد ذاتهفقط.
وقد كان ومازال ديننا الإسلامي يدعو ويحض على العمل ... قال تعالى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) صد الله العظيم ، ولنا في القران الكريم والسنة مدلولات كثيرة وعظيمة تحثنا على قيم العمل ، وكذا تراثنا الثقافي الإسلامي ، كما برزت السياسات الأولى للتربية على المهن في الولايات المتحدة الامريكية مؤخراًحيث كان يقصد بها ذلك المجهود الذي تبذله الجماعة البشرية والتربوية بهدف مساعدة الأفراد على الاستئناس بقيم المجتمع الموجه نحو العمل، ومن تم إدماج هذه القيم في نمطهم الشخصي و الحياتي ليصبح العمل ممكناً و معبراً ومريحا لكل فرد والغاية من هذا كله هي إكساب الفرد معارف وخبرات العمل مفهوما وتوجها وممارسة
ورغم الأهمية القصوى للتوجيه والإرشاد المهني الا ان بلادنا لم تعطي لهذا الموضوع الأهمية والاهتمام الكافي ، وكان الاجدر بجميع المعنيين بالتنشئة للأجيال ان يستوعبوا أهمية الموضوع ويولون جلَّ اهتمامهم بالتوعية والإرشاد والتوجيه للشباب نحو قيم العمل واهميته في حياتهم ومستقبلهم ومن ثم تعريفهم بمجالاته وانواعه ومميزاته والتركيز على المهن الحرفية الحرة ، وكذلك تبرز أهمية التعريف بالتعليم والتدريب المهني والمعاهد المهنية والتقنية والتخصصات القائمة فيه ومجالات العمل الحالية والمستقبلية.