بينما أقرت الميليشيات الحوثية شروطاً جديدة أمام هيئات الإغاثة الدولية وبرامج الأمم المتحدة، للسماح لها بالحصول على البيانات الخاصة بالمحتاجين والمستهدفين بالمساعدات الإنسانية؛ كشفت وثائق اطلعت عليها «الشرق الأوسط»، ومصادر قضائية، عن وجود شبكة حوثية مهمتها نهب المساعدات وتسخيرها لعناصر الميليشيات.
وفي هذا السياق، أظهر أحد محاضر النيابة العامة في صنعاء، تلاعب ميليشيا الحوثي بالمساعدات الإغاثية الدولية الموجهة إلى اليمن عبر منظمات دولية، ومنها منظمة الأغذية العالمية، وبيعها أو تسليمها إلى تجار موالين للجماعة.
ففي محضر للنيابة الخاضعة للجماعة نفسها في صنعاء، حول تفتيش مخازن التاجر حميد حسين الكبوس، لضبط مبيدات ومواد سامة في الثامن من مارس (آذار) 2018؛ ذكر المحضر أنه تم العثور على 131 عبوة من القمح مكتوب عليها «ليس للبيع أو الاستيراد»، و95 عبوة بازلاء تزن العبوة 50 كيلوغراماً تتبع برنامج الأغذية العالمي، و544 عبوة عليها شعار برنامج الأغذية العالمي، ومكتوب عليها أنها ليست للبيع أو الاستيراد.
إلا أن النيابة الحوثية، ولأجل التستر على التاجر المتهم بحيازة وبيع مبيدات سامة محظورة، عملت على تزوير محضر آخر في اليوم التالي، حول تفتيش مخازن تابعة لأخيه طه حسين الكبوس، استبعدت فيه المبيدات المحظورة، إلا أنها أثبتت فيه وجود كمية الأغذية نفسها التابعة لمنظمة الأغذية العالمية المثبتة في المحضر السابق.
وأوضح مصدر قضائي في صنعاء تحدث لـ«الشرق الأوسط»، أن هاتين الوثيقتين تكشفان عن 3 جرائم؛ هي: التلاعب بالمعونات، وتهريب المبيدات السامة، وتخزين المبيدات جوار المواد الغذائية.
ومؤخراً فرض ما يسمى «المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي» التابع للميليشيات، على مكتب منسق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في اليمن (أوتشا) شرط الحصول على تصاريح لإجراء المسوحات من المجلس نفسه، ومن وزارة داخلية الانقلاب وأجهزتها الاستخبارية، وفي مقدمها ما يعرف بـ«الأمن الوقائي».
وتحتاج الاستمارة الخاصة بالتصريح إلى ما يقارب خمسة أشهر، من أجل تقديمها وإجراء التعديلات عليها ثم اعتمادها، في حين لا تزيد مدة أي مشروع إغاثي عن 9 أشهر، وهو ما يعطي الميليشيات فرصة للتحكم في مسار المساعدات، وتجييرها لخدمتها.
وكان تقرير «اقتصاد الحرب والأثرياء الجدد» الصادر مؤخراً عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، قد أعاد التذكير بما أورده تقرير فريق الخبراء حول استحواذ أمراء الحرب وأثريائها على حصص من وكالات الإغاثة والدعم الإنساني المقـدم إلى اليمن، وذلك من خلال التحكم في تمويل برامج وأنشطة الإغاثة الإنسانية في اليمن.
ويوضح الباحث الاقتصادي فؤاد المقطري لـ«الشرق الأوسط» درجة اهتمام الميليشيات بالتحكم في المساعدات والمعونات الإنسانية، الأمر الذي دفعها إلى تشكيل ما يشبه الشبكة للسيطرة عليها، مؤكداً أن هذه الشبكة ظلت تتمدد باستمرار، وتُعِدّد أنشطتها ومساحة استيلائها على المساعدات.
ويقول المقطري إن ميليشيا الحوثي، ومنذ بداية تنفيذ الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الدولية برامج تقديم المعونات الإنسانية في اليمن في عام 2015؛ أصرت على التحكم في مسار المساعدات، وفرضت شروطها على هذه الهيئات، ووضعتها أمام الأمر الواقع؛ فإما السماح بمصادرة جزء منها والتحكم في مسار الجزء الآخر؛ وإما عرقلة أنشطتها ومصادرة ما تقدمه للمستهدفين قبل وصوله إليهم.
ولاحقاً -والحديث للمقطري- ابتكرت الميليشيات أداة جديدة للتحكم في مسار المساعدات؛ حيث أنشأت ما يعرف بـ«المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي»، وألزمت الهيئات الإغاثية بتوريد مخصصاتها المالية إلى حسابات صندوق هذا المجلس، ومنعتها من مزاولة أنشطتها أو جمع البيانات إلا بعد تنفيذ هذه التعليمات.
ويشير المقطري إلى أن هذا الملف حظي باهتمام خاص من أعلى المستويات القيادية الحوثية قبل إنشاء هذا المجلس الانقلابي؛ حيث تفرغ القيادي محمد علي الحوثي لمتابعته، قبل أن يتم تعيين القيادي فيصل مدهش رئيساً لدائرة النزوح في المجلس؛ متخفياً وراء القيادي إبراهيم الحملي أمين عام المجلس.
وفيصل مدهش هو قيادي حوثي قادم من محافظة صعدة، تم تكليفه بملف المساعدات، بتزكية من القيادي أحمد حامد مدير مكتب مجلس حكم الانقلاب؛ حيث يترأس الأخير المجلس المسؤول عن المساعدات الإنسانية.
ويؤكد المقطري أن مدهش عين شبكة من المشرفين على أنشطة المنظمات الإغاثية الدولية والمحلية، بحيث لا يمكن تنفيذ أي عملية إغاثية دون المرور بهؤلاء المشرفين، وأخذ الإذن منهم، وأن أنشطة المجلس توسعت إلى الرقابة حتى على المنظمات المحلية الصغيرة والجهات التي تتلقى تمويلاً من الأمم المتحدة لتوزيع المساعدات الأممية.
ويتابع: «عندما تراجعت المعونات الإغاثية الموجهة إلى مناطق سيطرة الميليشيات بسبب إجراءات الرقابة والنهب؛ لجأت الميليشيات ومن خلال المجلس الذي شكلته، إلى تعيين مشرفين جدد للرقابة على المعونات التي يقدمها التجار اليمنيون والشركات التجارية، وتم منح هؤلاء المشرفين صلاحيات ضبطية لإجبار التجار على الانصياع لرغبات الميليشيات».
ويتحكم المجلس المذكور في قوائم وكشوف المعونات الإغاثية، ويجبر المنظمات على توجيه المساعدات إلى مناطق وأحياء وقرى محددة من طرفه، ويعمل طاقمه على إعداد قوائم بأسماء المستفيدين، ويسلمها للمنظمات لتقوم بتوزيعها.
وتوصل المجلس -بحسب المقطري- إلى إلزام الجهات الإغاثية بتقديم مساعداتها إلى المؤسسات الحكومية الواقعة تحت سيطرته، إلا أن هذه المساعدات لا تصل إلى جميع العاملين في تلك المؤسسات؛ حيث يتم تسليمها إلى المشرفين الحوثيين عليها، والذين بدورهم يوزعونها على أتباعهم، في حين يتم تسليم البقية إلى تجار ورجال أعمال موالين للجماعة لبيعها في الأسواق، وتوريد أثمانها إلى حسابات خاصة.
ويذكر المقطري أسماء عدد من هؤلاء التجار، مثل: حميد الكبوس، وجمال الكبوس، وطه الكبوس، وفاهم، والحباري، وآخرين.