إحدى هذه الاحتفالات انطلقت، الخميس، في المنزل الذي عاش فيه ماركيز مع زوجته مرسيدس بارشا، منذ الثمانينيات وحتى وفاته عام 2014، والواقع جنوبي العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي، بينما انطلق الاحتفال الثاني، السبت، في متحف الفن الحديث في المكسيك.
والمعروف أن "مئة عام من العزلة" التي حاز ماركيز على جائزة نوبل للآداب عنها عام 1982، تُرجمت إلى 35 لغة وبيع منها أكثر من 30 مليون نسخة، ما يفسر سبب عدم اقتصار الاحتفالات في المناسبة على جنسيات محددة، مثلما حدث على مسرح ثقافة الجيزة في القاهرة الذي قدّمت فوقه فرقة قصر ثقافة ديروط عرضا شيقا تحت عنوان "موت معلَن" من تأليف الأديب الكولومبي الراحل.
وعن ترددات أصداء الحضور المتفاعل لماركيز، لغاية يومنا الراهن، في دول الشرق الأوسط، قالت الروائية اللبنانية نرمين الخنسا لموقع سكاي نيوز عربية إنه "في قصص وروايات غابرييل غارسيا ماركيز ينساب ويتشكل الجمال في الجمع بين الخيال والواقع في عالم هادئ من التخيل الهادف".
وأضافت: "في جميع كتبه وقصصه ومؤلفاته يترك عبارات خالدة تعبر الأزمنة دون أن يبهت حرفها"، مذكّرة بأن "ماركيز الذي قال إن الكاتب لا يُنهي روايته أبدا لكنه يتخلى عنها لن تتخلى ذاكرتنا يوما عن إبداعه الروائي العالمي".
الرسائل المكتشفة
أما عن صندوق الرسائل البلاستيكي الذي اكتشفته الحفيدة إميليا غارسيا إليزوندرو، بمحض الصدفة، أثناء مراجعتها أرشيف الصور التي تركها جدها، فقد كُتبت على ملصقه عبارة "أحفاد".
وبحسب وكالة "أسوشيتد برس"، فإن إميليا، "وبعدما ترددت في فتح الصندوق غلبها فضولها، فوجدت في داخله 150 رسالة غير منشورة تلقّاها غابرييل من شخصيات معروفة، من بينها الشاعر التشيلي بابلو نيرودا، والرئيس الكوبي فيديل كاسترو، والرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون والممثل والمخرج الأميركي روبرت ريدفورد".
وتحدثت إميليا، وهي مديرة مؤسسة غارسيا ماركيز، للوكالة عن صدمتها لدى عثورها على الصندوق في خزانة بالطابق الثاني من بيت جديها.
ولفتت إلى أن "هذا الاكتشاف كان بمثابة مفاجأة للعائلة، التي لطالما اعتقدت أن جميع خطابات ومراسلات غابرييل الشخصية كانت في مركز "هاري رانسوم" بجامعة تكساس في أوستن الأميركية، الذي يمتلك أكبر مجموعة من وثائق الكاتب".
ومن بين الرسائل الأربعين التي تم عرضها، الخميس، ظهرت 5 من كاسترو، وواحدة من نيرودا، واثنتان من الكاتب المكسيكي كارلوس فوينتيس، واثنتان من زعيم العصابات المكسيكية سوبكوماندانت ماركوس، وواحدة من ريدفورد، وواحدة من الممثل والمخرج الأميركي وودي آلن، وسبعة من كلينتون.
وفي إحدى رسائل الرئيس الأميركي الأسبق، ويعود تاريخها إلى 28 ديسمبر 1999، كتب كلينتون لماركيز يخبره عن حفل لموسيقى الفالينتو الكولومبية أُقيم في البيت الأبيض، حيث عرض له المشاعر التي انتابته وزوجته هيلاري، واصفا تلك الموسيقى بأنها "كنز".
وتوجه كلينتون إلى الكاتب الكولومبي بالقول إنها "تشكل تباينا ملحوظا ورائعا عن الصور السلبية التي غالبا ما ترتبط ببلده الجميل".
إلى ذلك، كشفت رسالة كتبها كاسترو بخط يده لغابرييل غارسيا ماركيز، وتعود إلى تاريخ 10 ديسمبر 2007، ما أفاده به بشأن خضوعه لنظام تمارين صارم، قائلا إن "عليه ألا يفشل في الامتثال لذاك النظام، إذا ما كان ينوي الاستمرار في كونه مفيدا للثورة"، وفقا لـ"أسوشيتد برس".
والمعروف أن الزعيم الكوبي التاريخي كان قد أصيب بالتهابات في الأمعاء أواخر يوليو 2006، ما أجبره على البقاء في المستشفى، والتنازل عن السلطة لشقيقه راؤول كاسترو، لغاية وفاته في نوفمبر 2016.
ماركيز اليساري
جدير بالذكر أن غابرييل غارسيا ماركيز الذي وُلد في كولومبيا عام 1927، اشتهر بلقب "غابو" في دول أميركا اللاتينية، لا سيما أن الرجل دافع عن كوبا، وعاش في المكسيك، ولطالما كان فخورا بكونه أولا وقبل كل شيء أميركيا لاتينيا.
وقد قضى طفولته المبكرة بعيدا عن الوالدين، سعيا وراء لقمة العيش، فغرق في الاستماع لجده الكولونيل المتقاعد الذي منحه وعيا سياسيا منذ صغره، ولجدته التي امتازت بسرد الحكايات الشعبية والروايات الخرافية.
وفي بداية حياته، عمل مراسلا صحفيا، قبل أن ينتقل إلى عالم الرواية الذي أحبه. وجمع في نهجه الأدبي عالما يتشابك فيه الخيال والأسطورة بالحياة اليومية.
ولم ينكر غابرييل غارسيا ماركيز ميوله اليسارية، بل جاهر بمعارضته لهيمنة الولايات المتحدة، وكان مدافعا شرسا عن سياسات صديقه فيدل كاسترو. وبعدما مُنع لسنوات من دخول واشنطن رفع الرئيس بيل كلينتون هذا الحظر.
وعن إرث ماركيز في العالم، لا سيما في البلدان العربية، قالت مؤلفة رواية "موسم الهجرة إلى الحرية"، الأديبة اللبنانية لورا مقدسي لموقع سكاي نيوز عربية في هذه المناسبة: "يرتبط ذكر غابرييل غارسيا ماركيز بالعاطفة والعذوبة"، مضيفة أنه "كاتب مسكون بالحب والجمال، يُدخلك من خلال أعماله الروائية إلى عالم مترع بسحر الأدب".
وتابعت مقدسي: "قرأتُ تحفته "مئة عام من العزلة" وأنا طالبة في الثانوية العامة، وكانت دهشتي عظيمة.. ثم قرأتُ لاحقا "الحب في زمن الكوليرا" وكانت دهشتي أعظم".
وختمت بالقول: "لعل ما يميز روايات ماركيز هي تلك المناخات الساحرة التي تلامُس أفقا إنسانيا عاليا، ومشاعر متدفقة، وعذوبة تنساب مثل الماء عبر الحواس لتمتلك منك القلب".