الصين رفع ميزانيتها العسكرية بنسبة 7.1% لعام 2022، حسبما أعلنت وزارة المال، اليوم السبت، وسط توتر عالمي على خلفية العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وهذه النسبة مرتفعة قليلا عن الزيادة في العام الماضي، التي بلغت 6.8%.
وخصصت بكين نحو 1.45 تريليون يوان (230 مليار دولار) للدفاع الوطني، وفقا لتقرير الميزانية الحكومية، وبذلك تمتلك الصين ثاني أكبر ميزانية دفاعية في العالم بعد الولايات المتحدة.
وتأتي الزيادة في الميزانية العسكرية الصينية تزامنا مع تصاعد التوتر العالمي بسبب العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وهو الأمر الذي رفضت بكين حتى الآن إدانته، قائلة إنها "تتفهم" المخاوف الأمنية لموسكو.
وتعليقا على خلفيات وبواعث هذا الارتفاع في نسب الإنفاق العسكري الصيني، يقول رائد العزاوي، رئيس مركز الأمصار للدراسات الاستراتيجية، في القاهرة، في حوار مع سكاي نيوز عربية: "الصين ثالث أقوى جيش في العالم من حيث المعدات والتقنيات، ومن حيث عدد الأفراد فهي الجيش الأول، وهي قد حققت خلال العقدين الماضيين طفرات عديدة في الارتقاء بترسانتها العسكرية وتحديثها، ورفعت وتيرة قدراتها اللوجستية القتالية، فقد نظمت مثلا خلال السنوات الخمس الماضية، أكثر من 40 مناورة عسكرية مشتركة واسعة مع جيوش 22 دولة حول العالم".
ولهذا فمن الطبيعي أن ترفع بكين من وتيرة انفاقها العسكري، كما يرى العزاوي، متابعا: "لتطوير قدرات الجيش الصيني وجهوزيته، ورفع نسب الانفاق، والتي كانت في العام الماضي 6.8% والآن ارتفعت إلى 7.1% ومن المتوقع أن ترتفع النسبة خلال العام 2023 إلى 8.2%".
ويسهب الخبير الاستراتيجي في شرح مفردات القوة العسكرية الصينية: "لدى بكين قدرات نووية هائلة، حيث أن جيشها قادر على استخدام 200 رأس نووي ويعتقد أنها ستصل بحلول العام 2030 إلى ألف رأس نووي جاهز للإطلاق والاستخدام من قبل القوات الصينية، فضلا عن عديد جيشها الكبير الذي يتجاوز مليوني جندي".
علاوة على قدرات تطوير وصناعة الأسلحة التقليدية وغير التقليدية التي تمتاز بها الصين، كما يوضح العزاوي، قائلا: "حيث تملك مصانع كبيرة وكثيرة مختصة بالتصنيع العسكري، فالجيش الصيني يتميز بقدراته المتطورة والخلاقة في مجال الانتاج الصناعي العسكري المتجسدة في مشاريع انتاجية ضخمة في هذا المجال، وهو يتمتع بقدرات مالية قوية جدا، بحيث أن ميزانياته مستقلة حتى عن ميزانية الدولة الرسمية، وهو يتطور وينمو بشكل متواصل”.
متابعا :"فمثلا في أغسطس من العام 2011 خلال مناورات مشتركة ضخمة بين الجيشين الروسي والصيني، أظهر خلالها الصينيون لأول مرة قدرات فائقة ومعدات حربية أشرت لمدى التطور الحاصل في الصناعات العسكرية الصينية، حيث تملك الصين سفنا وبوارج حربية تعد من أقوى وأكبر الأساطيل والقطع البحرية حول العالم، والجيش الصيني يمتلك قدرات جوفضائية أيضا تمكن بكين من المنافسة على السيطرة في الفضاء، وهو يملك أسلحة صوتية وقنابل متنوعة وصواريخ بعيدة المدى، ما يعكس قدرات عالية تمكنه من تطوير حضوره فضائيا وعلى الأرض، وفي مجال سلاح الطيران الحربي، تملك الصين على الأقل 4 آلاف طائرة، فضلا عن الطائرات المسيرة الصينية التي تعتبر متطورة جدا في هذا المجال".
ورغم كل هذه الترسانة والقدرات الضخمة برا وبحرا وجوا، يرى العزاوي، وهو أيضا أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية بالقاهرة أن :"العقيدة العسكرية الصينية لا تقوم على النزعات الهجومية والتوسعية، بل أن بكين تستخدم قوتها لفرض هيمنتها في المنطقة من حولها ردعيا، وليس عبر ممارسة القوة العسكرية العارية والاحتلال والتوسع، وهي توظفها حتى لأغراض احلال السلام والاستقرار في مجالها الحيوي وحول العالم، فمثلا لطالما راج الحديث عن أن الصين ستهجم عسكريا على تايوان، وهو ما لم يحدث كون بكين تعتقد أن حل المشاكل والأزمات ممكن دوما عبر الحوار والدبلوماسية، وهي تختلف هنا عن موسكو والعقيدة العسكرية الروسية، كما نلاحظ الآن في الأزمة الأوكرانية”.
وعن خلفيات زيادة ميزانية بكين العسكرية، يرد العزاوي: "الصين ترفع مؤخرا معدلات الانفاق العسكري ضمن خطة موضوعة منذ العام 2020، بنسب محددة وضعتها وزارة الدفاع، والهدف من ذلك أن الصين تشعر أنها متراجعة في ترتيب الجيوش العالمية، حيث تعتقد أن ثمة جيوشا أقل قدرة من جيشها تتقدم على بكين عسكريا وتكنولوجيا، بفعل معدلات انفاقها العسكري المفتوح والضخم، ولهذا قررت قيادة الأركان ووزارة الدفاع رفع معدلات الانفاق على القدرات العسكرية والتكنولوجية وقدرات الصواريخ النووية وتعزيزها".
وهذا يكشف أن ثمة سباق تسلح عالمي بين القوى الكبرى وتوجسا فيما بينها، كما يرى الخبير الاستراتيجي، مضيفا: "وأن الهاجس لدى بكين هو أنها قد تكون الجيش الأضعف قياسا بجيوش العواصم الكبرى، كواشنطن وموسكو وباريس، حسب مخاوف القيادة العسكرية الصينية، لكن صانع السياسة الصيني مع ذلك لا يرغب بالدخول في حروب ومغامرات عسكرية، كون الصين تعتمد أساسا على تطوير قوتها الاقتصادية، وأي حرب واسعة من شأنها شل الاقتصاد الصيني، الذي يعتمد اعتمادا كاملا على الاستقرار وسياسات بكين المتوازنة إقليميا ودوليا".
ويضيف العزاوي :"لهذا تبحث الصين عن الاستقرار السياسي والعسكري في محيطها وحول العالم، مفتاحا للاستقرار الاقتصادي، كون الحروب والقلاقل والأزمات تعرقل بطبيعة الحال التنمية والاقتصاد، ولهذا هي تغلب كفة الحلول الدبلوماسية وسياسة المصالح المشتركة، فمثلا مع الحرب الروسية الأوكرانية نلاحظ كيف تأثرت سلبا أسواق الطاقة العالمية، ورغم رفعها معدلات انفاقها العسكري بشكل ملحوظ، لكن بكين تبقى حريصة على المضي على سكتها المعهودة في المثابرة على تطوير قدراتها الاقتصادية والتنموية العملاقة، دون ضجيج وتبجح لدرجة تشير توقعات خبراء الاقتصاد إلى أنها ستتحول القوة الأولى اقتصاديا في العالم على المدى القريب، وعموما فزيادة الاتفاق العسكري الصيني تندرج في اطار تعزيز قوة الصين الردعية، ومكانتها كلاعب دولي لا يمكن تجاهله".
أما أعياد الطوفان، الخبير العسكري، فيقول في لقاء مع سكاي نيوز عربية: "زيادة حجم الميزانية العسكرية الصينية، تندرج في إطار سعي الصين لتحصين قوتها وتعزيز قدراتها أكثر فأكثر، وسط الاستقطاب الحاد مع الغرب، ولا سيما على وقع الأزمة في أوكرانيا، ذلك أن زيادة الانفاق تتناسب طردا مع كون الصين صاحبة أكبر جيش في العالم عدديا، ولكونها في منافسة محمومة تحديدا مع الولايات المتحدة كما هو معلوم، ولعل موقفها من الأزمة الأوكرانية المتعاطف مع موسكو وإن ضمنيا، أقرب مثال على اختلافها الواسع مع واشنطن".
فالصين بحكم كونها قوة عالمية وصناعية كبرى، لديها قفزات عسكرية متطورة جدا خاصة في مجالات أنظمة الصواريخ والأقمار والطائرات، كما يشرح الخبير العسكري، متابعا: "ولهذا من البديهي أن ترفع نسب انفاقها العسكري وميزانيتها الدفاعية والحربية، فهي ليست قوة اقتصادية ضاربة وفقط بل وعسكرية يحسب لها ألف حساب، خصوصا مع تنوع ترساناتها الحربية وتحديثها المتواصل، وتعاونها الوثيق في هذا المضمار بالذات مع روسيا".