تقرير: قراءة في أبعاد المبادرة السعودية وانعكاساتها في جنوب اليمن

2021-03-23 21:30:19



يافع نيوز – سوث24 أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي، الطرف الأكثر شعبية في جنوب اليمن، في وقت متأخر من يوم الاثنين “ترحيبه بالمبادرة التي قدمتها المملكة العربية السعودية بشأن إنهاء الأزمة اليمنية والتوصل إلى حلٍ سياسي شامل”، وسط مؤيد ومعارض في أوساط الشارع الجنوبي. وأعلن الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، الذي تقود بلاده تحالفاً عسكريا في اليمن منذ مارس آذار 2015، عن مبادرة جديدة للسلام بهدف إنهاء حرب اليمن. وأوضح خلال مؤتمر صحافي، الاثنين، أن “المبادرة السعودية تشمل وقف إطلاق النار في أنحاء البلاد تحت إشراف الأمم المتحدة”. التوقيت والمغزى في بُعدها السياسي والدبلوماسي، جاءت “المبادرة السعودية”، “استباقية” لقطع الطريق على جهود المبعوث الأميركي إلى اليمن، توم ليندركينغ، والمبعوث الأممي مارتين غريفيث. خصوصا، بعد مشاورات واسعة أجراها ليندركينغ، في عواصم خليجية، بينها لقاءات مباشرة مع الجماعة الحوثية، المدعومة من إيران، في العاصمة العمانية، مسقط. ولهذا البُعد، ثلاثة مسارات. الأول، تسعى الرياض في الكفاح، لإعادة تحسين سمعتها خارجيا، وأن تظهر بدور وسيط سلام في أزمات جارتها التاريخية، التي طالما لعبت دوراً مباشراً فيها، سلبا وإيجاباً. سبق وقدمت المملكة مبادرات سلام عديدة في اليمن، بينها المبادرة الخليجية في نوفمبر تشرين الثاني 2011، التي قضت بتسليم الرئيس السابق صالح السلطة لنائبه (الرئيس الحالي). وفي مايو/أيار، استضافت السعودية مؤتمر الرياض، حيث اجتمعت الفصائل الموالية للحكومة في محاولة لإنقاذ صنعاء. وفي نوفمبر/تشرين الثاني2017، ساعدت السعودية، برعاية ولي العهد السعودي، وبجهود من دولة الإمارات العربية المتحدة، في التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي، المعروف باسم “اتفاق الرياض”، الذي يهدف إلى نزع فتيل الصراع بين الطرفين في جنوب اليمن. وبشكل متكرر، حرصت السعودية على التأكيد أنّ دورها العسكري في اليمن، يأتي في إطار “تحالف دعم الشرعية”، وهو التحالف الذي لم تعد تشارك فيه سوى القوات السعودية، وعلى وجه الخصوص، القوات الجوية الملكية، إلى جانب مشاركة رمزية لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي أعلنت سحب قواتها في أكتوبر تشرين الأول 2019. قال مسؤولون سعوديون، إنّ الطابع العلني للإعلان كان يهدف إلى توضيح موقف المملكة، التي تواجه انتقادات دولية لا هوادة فيها بشأن دورها في الحرب، وإثارة رد من الحوثيين، الذين استخفوا بالجهود الأمريكية الأخيرة، وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال. فضلا عن أنّ هذا المسار يمنح الرياض، وفقا لما تعتقده، أفضلية في التحكم في إدارة الملف اليمني في المستقبل. كالتأثير المباشر على الأطراف المتحالفة معها أو مع الإمارات العربية المتحدة، كالمجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية. من شأن ذلك أن يتيح لها ضمان إبقاء مصالحها ونفوذها في اليمن، حتى بعد إنهاء الصراع واتفاق الأطراف على حل سياسي شامل. أمّا المسار الثاني، فيكمن في مواجهة ضغط الإدارة الأمريكية الديمقراطية الجديدة والرئيس بايدن، الذي أعلن الشهر الماضي، وقف دعم واشنطن لعمليات السعودية في اليمن، ومنع بيعها صفقات الأسلحة، وكذلك رفع قيود التنصيف الإرهابي، التي فرضها سلفه، دونالد ترامب، على جماعة الحوثي كـ “منظمة إرهابية”. تسعى واشنطن للعب دور مباشر في الملف اليمني، دون الاعتماد على المملكة، التي طالما منحتها أميركا، صلاحيات مفتوحة للتأثير والقرار في ما يخص جارتها الجنوبية الفقيرة. هذا يمنح بايدن فرصة لتحقيق وعوده الانتخابية بـ “محاسبة السعودية” على “الانتهاكات الإنسانية” التي تسببت بها الأسلحة أمريكية المنشأ، التي تستخدمها السعودية في اليمن، وكذلك لاستخدام ملف اليمن في سياق مفاوضات الملف النووي الإيراني. وفقاً لنص المبادرة السعودية، وكذلك تصريحات مسؤولين سعوديين، “تأتي المبادرة في إطار الدعم المستمر لجهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفثس والمبعوث الأميركي لليمن تيموثي ليندركينغ والدور الإيجابي لسلطنة عمان، ودفع جهود التوصل لحل سياسي للأزمة برعاية الأمم المتحدة.” أرادت السعودية التوازن في خطوتها، بين تحقيق إنجاز سياسي وإعلامي، وبين إبقاء مصير نجاح أي حل قائماً بجهود الأمم المتحدة. وعلى الرغم من تشديد السعودية على هذه النقطة، لم ترحّب واشنطن نصاً بـ “المبادرة السعودية”، واقتصر ترحيبها بخطوة الرياض لوقف إطلاق النار. في حين اقتصر ترحيب الأمم المتحدة، بـ “إعلان السعودية” على اعتباره عامل مساعد للحل. ووفقا لبيان رسمي نشره، الموقع الرسمي للمبعوث الخاص إلى اليمن، قبل قليل، “يرحّب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بإعلان السعودية عن خطوات للمساعدة في إنهاء القتال واستئناف العملية السياسية في اليمن”. ومساء الاثنين، قال المبعوث الأميركي إلى اليمن، توم ليندركينع أنّ الولايات المتحدة “ترحّب بالتزام السعودية والحكومة اليمنية بوقف إطلاق النار”.[3] كذلك شدد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في اتصال هاتفي مع نظيره السعودي، على ضرورة التزام الأطراف بوقف إطلاق النار في اليمن”. وذكرت جالينا بورتر، نائبة المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، في إفادة صحفية، أنّ على جميع أطراف الصراع في اليمن “الالتزام الجاد” بوقف إطلاق النار فورا والدخول في مفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة.” تحاول واشنطن، على الأرجح، إبقاء السعودية طرفا من أطراف الحرب، والحيلولة دون منحها صفة الوسيط. تُدرك واشنطن أنّ نجاح المبادرة بهذه الصورة، سيعني بالضرورة، إبقاء ملف الصراع اليمني بيد المتعهد التاريخي، وهو ما يعني بصورة أو بأخرى فشلاً لمساعيها في مساراته المرتبطة، أو، بحد أدنى، إرباكا لدورها في المنطقة. لماذا أستثني المجلس؟ على الرغم من أنّ نجاح المبادرة، مرهون بدرجة أساسية، بقبول الحوثيين بها، وفقاً لما أشار له مسؤولون سعوديون بأنفسهم. إلا أنّ السعودية حرصت فقط على توجيه الدعوة لـ “الحكومة اليمنية والحوثيين” للقبول بها. واعتبرت السعودية أنّ هذه المبادرة “تمنح الحوثيين الفرصة لتحكيم العقل ووقف نزيف الدم اليمني ومعالجة الأوضاع الإنسانية.. وأن يكونوا شركاء في تحقيق السلام”. الحوثيون، الذين رفضوا المبادرة، يفضلّون أن تبقى خيوط الحلول بيد واشنطن والمجتمع الدولي، باعتبار السعودية طرف من أطراف هذه الحرب، وليست وسيط. هذا الأمر يمنح الحوثيون، وفق نظرتهم، ندية أكثر في أي مفاوضات، كما أنه يمنح إيران فرصة للضغط والتدخل في أي جهود لحل الأزمة في اليمن، واستثمار ذلك في معركتها مع المجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي. استأنف الحوثيون قصفهم للأراضي السعودية اليوم الثلاثاء، بعد ساعات من إعلان المبادرة، وهو ما يمثّل رفضا عمليا للجهد السعودي. قال المتحدث العسكري باسم الجماعة، يحيى سريع، أنّ طائرة مسيّرة استهدفت مطار أبها الدولي بالسعودية. استثنت المملكة من الدعوة التي شملتها المبادرة، المجلس الانتقالي الجنوبي، التي تخوض قواته الجنوبية في الضالع وكرش وطور الباحة معارك مستمرة مع مقاتلي الحوثي، حتى اليوم. ويُعدّ المجلس والقوات المسلحة الجنوبية التابعة له، الطرف الوحيد الذي حقق إنجازا عسكريا ملموساً، في معركة التحالف مع ميليشيا الحوثيين. لكن وعلى الرغم من عدم شموله بدعوة “المبادرة السعودية”، رحّب المجلس الانتقالي الجنوبي بالمبادرة، وثمّن، وفقا لبيان ورد على لسان متحدثه الرسمي علي الكثيري، “حرص وجهود دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية تجاه إحلال السلام الدائم، وتثبيت الاستقرار في الجنوب واليمن.” المجلس الانتقالي، ووفقا لفهمه لمضمونها، قال أنّ أهمية المبادرة تكمن “من حيث شموليتها لجميع الأطراف كضمان حقيقي للتقدم تجاه حل دائم، بما يضمن تمثيل جميع الأطراف، وفي أولوية ذلك التطلعات الوطنية المشروعة لشعب الجنوب، وحقه في استعادة وبناء دولته وهويته وسيادته.” وفقا للبيان. سبق وأعلن المجلس رفضه الإلتزام بأي مبادرات لا يكون طرفاً فاعلا فيها، كممثلٍ لتطلعات الشعب في جنوب اليمن، الذي يكافح من أجل دولة مستقلة في حدود 1990 التاريخية. جاء ذلك في عدة بيانات ولقاءات دبلوماسية جمعت المجلس مع مسؤوليين دوليين وأمميين. جاءت مبادرة السعودية للسلام، بعد أيام من خلافات مع المجلس، على إثر الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها عدن ومناطق أخرى في الجنوب، أسفر عنها “اقتحام قصر معاشيق”، مقر الحكومة في عدن، وفقا لبيان وزارة الخارجية السعودية، التي أدانت الحادثة، وطلبت من طرفي اتفاق الرياض الاجتماع العاجل على أراضيها لاستكمال مناقشة تنفيذ الاتفاق. لهذا الاستثناء تفسيرات متضاربة. الأول، أنّ الرياض باتت تتعامل مع المجلس الانتقالي الجنوبي كطرف شرعي في حكومة المناصفة، التي شُكلّت في ديسمبر كانون الأول الماضي، وفقا لاتفاق الرياض الموقع بين المجلس وحكومة هادي في نوفمبر 2019. وبالتالي فدعوتها للحكومة اليمنية، من حيث المبدأ، تشمل المجلس أيضا. فضلا عن أنّ الرياض، وفقاً لهذا التفسير، لا تسعى لإظهار حلفائها المحتملين، منقسمين، وهو ما يعقّد جهودها المستقبلية، لإنهاء الصراع، والخروج من الأزمة بأقل الخسائر. في حين يكمن التفسير الثاني، بتأثير الجناح العميق في الحكومة السعودية، الذي يرتبط بعلاقات تقليدية مع نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر، وحزب الإصلاح اليمني (إخوان اليمن) وجميعهم يدفعون، على الأرجح، لإبقاء حظوظ المجلس الانتقالي، ضعيفة، على طاولة المفاوضات، لتفادي وضع حلول تُطالب باستقلال جنوب اليمن، الأمر الذي قد يهدد المعاقل المتبقية لدى هادي، خصوصا عقب تصريحات رئيس المجلس، اللواء عيدروس الزبيدي، لصحيفة الجارديان البريطانية. المرجعيات المبادرة السعودية، تضمنّت “بدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي برعاية الأمم المتحدة بناءً على مرجعيات قرار مجلس الأمن 2216 والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل في إطار دعم جهود المبعوث الأمم لليمن والمبعوث الأمريكي لليمن.” يرفض المجلس الانتقالي الجنوبي، الذهاب لأي حلول لإنهاء الأزمة في اليمن، وعلى وجه الخصوص بين الجنوب والشمال، وفقاً  للمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، التي سبق ورفضتها الحركة الوطنية الجنوبية (الحراك الجنوبي) حينها في 2011 و2013. يبرر الجنوبيون رفضهم لمخرجات الحوار الوطني، التي قضت بتأسيس دولة اتحادية من عدة أقاليم، كون الحراك الجنوبي لم يكن طرفاً في الحوار أو مبادرة مجلس التعاون الخليجي، حينها، فضلا من أنها لم تعالج، بشكل حقيقي، جذور القضية الوطنية الجنوبية، من الأساس. يرى الخبراء والسياسيون في جنوب اليمن، أنّ جذر المشكلة في اليمن، تنبع في الأساس من الأزمة بين دولتي الجنوب والشمال، اللتان توحدتا في 1990، وانقلب الطرف الشمالي على تلك “الوحدة”، وأعلن الحرب على الجنوب في 1994، انتهت بسيطرة صنعاء بالقوة العسكرية على كامل الجنوب ومقدراته. لذلك، دون حل حقيقي لهذه الأزمة، فإنّ جدوى أي مبادرات للسلام، ضئيلة، وقد تبوء بالفشل كغيرها من المبادرات، التي نتج عنها تجدد الحروب والصراعات، وألقت بتبعاتها الكارثية على الوضع الاقتصادي والإنساني للمواطنين في الجنوب والشمال. قال عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، سالم ثابت العولقي، معلّقا على ورود المرجعيات في نص المبادرة السعودية بأنّ “المرجعيات الثلاث مشكلة وليست حلاً”، وأشار في تغريدة على تويتر، لتنفيذها في مناطق سيطرة الحوثيين، في إشارة إلى موقف الحوثيين منها. جماعة الحوثي هي الأخرى، ترفض المرجعيات الثلاث، وتعتبرها عودة لـ “الوصاية الدولية” على اليمن. قال محمد البخيتي في حديث لقناة الجزيرة القطرية، مساء الاثنين،  أنّ تأكيد المبادرة السعودية على المرجعيات “تُعيد اليمن للوصاية الدولية.” فُرص النجاح وعلى الرغم من أنّ أي مبادرات لوقف الحرب في اليمن، تمنح المواطنين، الذين تتهددهم المجاعة، أملاً واسعا، إلا أنّها ستواجه “تحديات صعبة”. فقد فشلت جهود سعودية مماثلة في الماضي، بما في ذلك وقف إطلاق النار من جانب واحد من قبل التحالف قبل عام ووقف جزئي لإطلاق النار في عام 2019، وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية. ويأتي ذلك في الوقت الذي بات فيه الحوثيون على بُعد أميال من مركز مدينة مأرب، آخر معقل في شمال اليمن للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا. يرى خبراء أنّ أي مبادرات لا تمثّل كافة أطراف المصلحة الحقيقين على الأرض، لن تكون كافية لإحلال السلام. فلا جماعة الحوثي بإمكانها السيطرة على اليمن بأكمله، كما لن ينجح التحالف الذي تقوده السعودية في استعادة سلطة حكومة الرئيس هادي على المناطق الشمالية من البلاد. قال الخبير الأميركي، المقيم في موسكو، أندرو كوريبكو، أنّ القضايا الملحّة الأخرى التي يجب معالجتها في نهاية المطاف هي مصير حكومة هادي المعترف بها دوليًا والوضع السياسي النهائي لليمن الجنوبي الذي يطمح إلى استعادة استقلاله.” وفي حين لم تشر المبادرة السعودية لاتفاق الرياض، كأساس يمكن البناء عليه في مستقبل عملية السلام المأمولة، أشادت الإمارات في سياق ترحيبها، “بالدور المحوري للمملكة العربية السعودية في تنفيذ اتفاق الرياض وتشكيل الحكومة اليمنية الجديدة والتوصل إلى حل سياسي وتسريع جهود إنهاء الأزمة اليمنية.” يستشعر الجنوبيون، المخاطر، عند كل مبادرة للحل السياسي للأزمة في اليمن، ويخشون تكرار سيناريوهات سابقة، تقود إلى تجاهل قضيتهم، التي يكافحون من أجلها منذ العام 2007. ما سيؤدي إلى سنوات قادمة من الصراع.
تابعونا علي فيس بوك