ما زالت المصائب التي تصدرها مليشيات الحوثي تطارد (محجوب حسن عبد الرحمن) وأسرته، أين ما حلوا، إذ شردوا وأخرجوا قسرًا بقوة السلاح من منزلهم الواقع في الدريهمي، ليلجأ مجبرًا إلى عشةٍ صغيرةٍ صنعت من سعف النخيف في منطقة الطائف، لعله يسلم وأسرته من بطش الحوثيين.
في منطقة الطائف كان النهوض قبل بزوغ شمس يوم جديد في سماء محافظة الحديدة عادةً يوميةً لمحجوب، يصلي الفجر، ويخرج على متن دراجته النارية قاصدًا المطعم حيث يعمل خبازًا، وعند الثامنة صباحًا يعود إلى العشة حاملًا في جعبته وجبة الإفطار لزوجته وأولاده الثلاثة ( مهند ورحيق وعبدالرحمن).
تناول(محجوب) وجبة الإفطار في أجواءٍ حميميةٍ تبعث البهجة في الأنفس، رغم كل الويلات والقهر الذي تجرعه على أيدي الحوثيين، ثم همّ في الخروج ثانيةً إلى العمل، فجأة صوت ما رقيق مناديًا: أبي..! أبي..! أريد أن أخرج معك في جولة صغيرة على متن الدراجة؟ كان ذلك الصوت الرقيق لابنته رحيق، لبى الأب طلب صغيرته دون أن يبدي أي ممانعة، خرجا لدقائقٍ قليلة ثم عادا إلى المنزل وعلامات السرور باديه للناظرين في ملامح كليهما.
وضع محجوب طفتله رحيق في تلك العشة التي تدعى (منزل) لم يدرك أن ذلك هو اللقاء الأخير بينهما، إذ انفجر به لغم حوثي في منطقة الطائف بينما كان في طريقه إلى المطعم، وعلى إثر ذلك الإنفجار سقط محجوب أرضًا مضرجًا بدمائه، وفارق الحياة على الفور، لتشرد أسرته بعد موته أيضًا من الطائف إلى قرية المركوضة.
تتحدث الزوجة(عوش عبده) بكمدٍ عن تفاصيل الانفجار الذي أردى بعلها قتيلا : انفجر بزوجي لغم حوثي قطع جسده وحوله إلى أشلاءٍ متناثرةٍ على الأرض، لقد رأيت قطعةً من اللحم ملقاة بالقرب من الانفجار؛ لقد كانت تلك قدم زوجي، ملقاة بعيدًا عن بقايا الجسد، حتى دراجته من شدة الإنفجار شُقت إلى نصفين.
وتضيف عوش هناك الكثير من الضحايا الذين فتكت بأرواحهم الألغام الحوثية بغثةً كحال زوجي، أطفال ونساء ورجال، الجميع هنا متعبين، بسبب الألغام التي زرعتها المليشيات الحوثية.
وتتسأل (عوش) بمحض حيرةَة لقد هربنا من الدريهمي بسبب قذائف الحوثيين التي هدمت منزلنا، وأتينا إلى الطائف فراح زوجي ضحية لغم حوثي، ثم نزحنا مجددًا إلى المركوضة، صراحةً لقد أتعبونا وزلزلوا منازلنا، إلى أين سنهرب بعد من بطش هؤلاء الحوثيين؟
من جهته يعبر (منهد محجوب) عن المأساة التي أودت بحياة والده: لقد سمعت انفجار اللغم، لم أكن أعلم أنه انفجر بأبي، إلا حينما قالت لي أمي بوجلٍ وجزعٍ إحلق أباك لقد انفجر به لغم، حينها ركضت مسرعًا ولكنني وجدته جثةً هادمة على جهةٍ من الطريق و بقايا دراجته في الجهة أخرى.
ليس محجوبًا الضحية الوحيدة للألغام الحوثية، بل هناك الآف كمحجوب، كما أن هناك الآف الأسر كأسرته، وجدت نفسها فجأة بلا سند ولا معيل تواجه أموج الحياة العاتية بصدور عارية، وبطون تعتصر جوعًا، وأفواه متصحرة بلا زاد ولا ماء، ويبقى السؤال عالقًا بلا أجابة مع كل مأساة تصنعها الألغام الحوثية، متى يتخلص هؤلاء البسطاء في محافظة الحديدة من خطر الألغام الوجودي ؟