عامر عبدالكريم
قرابة 200 قتيل ذهبوا ضحية لسيول الأمطار الغزيرة التي هطلت على مناطق مختلفة في اليمن خلال الأسابيع الماضية والتي ما زالت تستمر في الهطول منذ بداية فصل الخريف.
أرقام مروِّعة لعدد الضحايا والمنازل التي تعرضت للتدمير، حيث نشرت الأمم المتحدة إحصائية مطلع الشهر الجاري أشارت إلى أن الأمطار الغزيرة التي طالت عدداً من المحافظات اليمنية كعدن وصنعاء ومأرب والجوف وإب وتعز قد أدت إلى تدمير أكثر من 250 منزلاً وتضرر ما يزيد على 35 ألف أسرة يمنية، اضطر عدد كبير منها للنزوح إلى مناطق أخرى نتيجة التدمير الكبير الذي طال مناطقهم.
إحصائيات تعد قديمة نسبياً بالنظر إلى استمرار كوارث السيول التي تحصد عدداً من الضحايا والمنازل وتدمر الطرقات والممتلكات وحتى صهاريج السيول وعبارات المياه في الأحياء، وكانت آخر حادثة موثقة لكوارث الأمطار الغزيرة التي هطلت في محافظة إب، والتي نتج عنها سيول جارفة أخذت في طريقها عدداً من المركبات وأوقعت عدداً من الضحايا.
أما الحادثة المشار إليها، والتي تم توثيقها بواسطة هاتف ذكي، أظهرت استغاثة طفل خرج من نافذة سيارة والده طالباً للمساعدة، فيما كانت السيول الهادرة قد جرفت السيارة وبداخلها أسرة كاملة لقي أفرادها جميعاً حتفهم بما فيهم الطفل المستغيث، ولم ينج من الغرق إلا رب الأسرة والذي كان يقود المركبة.
وأثارت الحادثة الموثقة ردود افعال قوية ومؤثرة لدى مستخدمي وسائل التواصل، غير أنها تباينت بين الشعور بالحزن والغضب وتوجيه الانتقادات والاتهامات الغاضبة حول الطرف الذي يتحمل المسؤولية عن كوارث السيول التي طالت مناطق مختلفة وراح ضحيتها العديد من اليمنيين.
البداية من عدن حيث سجلت اولى كوارث السيول الغزيرة في محافظة عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة الشرعية، وكبرى مدن الجنوب اليمني، التي غرقت منذ نحو ثلاثة أشهر، في سيول الأمطار الغزيرة التي هطلت على المحافظة الجنوبية وأدت إلى تدمير الممتلكات والمحلات التجارية ودخلت المياه إلى المنازل، ما تسبب بمعاناة إضافية للسكان المحلية.
وسجلت كاميرات الهواتف الذكية للمصورين الهواة بعضاً من المواقف الإنسانية التي أشاد بها رواد مواقع التواصل، ومنها استخدام بعض شباب الأحياء لثلاجة إحدى الأسر التي جرفها السيل كقارب إنقاذ لإحدى النساء المسنات في عدن، مع ترديدهم لبعض الأهازيج التي ابتكروها للتخفيف من معاناة السيدة المسنة وتشجيعها والرفع مع معنوياتها التي انخفضت بغرق منزلها وتدمر مقتنياته.
كما سجلت كاميرات نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي، مغامرة عدد من الشباب العدنيين ودخولهم وسط السيول الجارفة لإنقاذ رجل مسن جرفه السيل وكان على وشك الغرق المحقق لولا تكاتف هؤلاء الشباب وتدخلهم لإنقاذ حياته.
وعبرت الحكومة اليمنية عن اهتمامها البالغ، ووضعت أولى اهتماماتها انقاذ المحافظات الخاضعة لسيطرتها من كوارث السيول، لكن العديد من المواطنين ينفون قيام الحكومة المعترف بها دولياً بأي دور حقيقي للتخفيف من معاناتهم جراء الكوارث التي تعرضوا لها بسبب السيول والتداعيات التي خلفتها تلك الكارثة الطبيعية.
وظلت عدن تعاني لأسابيع من غرق شوارعها وطرقاتها بالمياه الراكدة، وتسبب ذلك بكارثة إضافية حيث أدى لانتشار البعوض والحشرات وانفجار قنوات الصرف الصحي التي امتزجت مياهها الآسنة بمياه السيول مسببة بذلك انتشاراً للأمراض والأوبئة القاتلة وسط السكان، وأشهرها مرض "المكرفس" والذي أدى لوفاة المئات من سكان المدينة، فضلاً عن خسائر بمليارات الريالات جراء التدمير الذي طال المحلات والمعارض والممتلكات الخاصة والعامة.
وفي صنعاء، تسببت السيول الغزيرة بانفجار صهاريج المياه المحاذية لمدينة صنعاء القديمة التاريخية، والمسجلة على قائمة التراث العالمي لدى منظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة، ويطلق السكان المحليون على صهريج تصريف المياه اسم "السائلة" حيث أدى ضغط المياه القوي إلى تدمر "السائلة" ودخول السيول إلى المنازل الأثرية وغرقها وتدمير عدد منها.
ووجهت سلطات الأمر الواقع في صنعاء الخاضعة لسيطرة مليشيات الحوثي نداء لإنقاذ صنعاء من كوارث السيول والتي قد تدمر بعضاً من الأجزاء المتبقية من المدينة التاريخية والتي يعود بنائها لأكثر من 800 عام على الأقل، فيما ترجح مصادر تاريخية أن تكون المدينة الحالية قد بنيت على أطلال مدينة سام التاريخية والتي يعتقد أن تاريخها يعود إلى ما قبل الميلاد.
وفي محافظة الجوف شمال اليمن، جرف الطوفان الذي نتج عن مياه الأمطار الغزيرة بإغراق أحياء ومناطق بأكملها في المياه، ما أدى في النهاية إلى نزوح مئات الأسر اليمنية إلى خارج مناطقها، وخصوصاً إلى محافظة مأرب القريبة من محافظة الجوف.
وأدت السيول في محافظة الجوف إلى تضرر الكثير من المنازل وقتلت العشرات من السكان، وأتلفت المحاصيل الزراعية وأودت بحياة الحيوانات الأليفة التي يعتمد عليها السكان في معيشتهم. كما طالت أجزاء أخرى من محافظة مأرب وتسببت بارتفاع منسوب المياه في سد مارب التاريخي.
وأطلقت أصوات يمنية نداءات كثيرة عبرت فيها عن مخاوف من انهيار سد مارب التاريخي مع ارتفاع منسوب المياه إلى مستوى لم يعهد له مثيل من قبل، ويخشى النشطاء أن انهيار السد بسبب ضغط المياه وقوتها الكبيرة قد يتسبب بغرق مدينة مأرب التاريخية، والتي شهدت أشهر الحضارات اليمنية القديمة، "حضارة سبأ" المذكورة في القرآن.
غير أن السلطات نفت في رد لها على تلك النداءات إمكانية انهيار السد في الوقت الحالي، مشيرة إلى أن سد مأرب الذي أعيد بناؤه في ثمانينيات القرن الماضي قادر على الصمود في الظروف الحالية واستيعاب كميات المياه الكبيرة الموجودة بداخلها والتي تسببت فيها الأمطار والسيول القادمة من مناطق أخرى.
وسجلت صور التقطها ناشطون على مواقع التواصل وصول منسوب المياه في سد مأرب إلى أعلى مستوى فيه، كما التقط بعض النشطاء صوراً لهم مع بعض الأسماك التي قالوا أنهم اصطادوها من داخل السد.
ويأتي هذا وسط مخاوف كبيرة يعيشها المواطنون في اليمن من أخطار السيول القادمة واستمرار هطول الأمطار الغزيرة على مناطقهم، مع شكوكهم الكبيرة من جدية الوعود التي أطلقتها أطراف الصراع في اليمن وخصوصاً مليشيات الحوثي والحكومة الشرعية المقيمة في الرياض، والتي تضمنت تأكيداً على شروعها في تنفيذ البدائل اللازمة لمعالجة هذه الكارثة البيئية الخطيرة.