المقالح شاعر ثقف السلطة دون ان يكون شاعر سلطه

كتب صادق السالمي_ (الوفاق نيوز): لا اجد ما ابدأ به الكتابة عن فقيد اليمن الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح إلا مقولة جان بول سارتر" الانسان مشروع لا يكتمل إلا بوفاته" وقد اكتمل مشروع الدكتور عبدالعزيز المقالح ووضعت آخر لبنة في بنيانه العظيم يوم الثامن والعشرين من نوفمبر 2022.

لا يقترن اسم الأديب الراحل و الأكاديمي الأول الدكتور عبدالعزيز المقالح بتاريخ اليمن المعاصر فقط وإنما يمتزج به ليصبح أحد وأهم وأبرز مكونات هذا التاريخ، وأحد ركائزه وأحد صانعيه، ولا يمكن تحت أي ظرف تجاهل او اغفال أو حتى ذكر اليمن المعاصر على صعيد العلم والثقافه والأدب بدون ذكر اسم عبدالعزيز المقالح، بل بالامكان القول أن هذه، البداية الحقيقية لتاريخ اليمن المعاصر علما وأدبا، بدأ فعلا عند عبدالعزيز المقالح واستمر معه إلى أن أصبحت اليمن حاضرة بقوة مؤسساتها التعليمية الأكاديمية على الصعيد الإقليمي من خلال آلاف الكفاءات في مختلف المجالات العلمية، كما أصبحت حاضرة بقوة اقليميا وعالميا على صعيد نتاجاها الأدبي من خلال عشرات الشعراء والروائيين والقصاص الذي يتبوأو مكانة رفعية بنتاجات إبداعية مميزة وما كان لذلك ان يكون لولا وجود شخص العظيم الراحل الدكتور عبدالعزيز المقالح.

كما اسلفت ان تاريخ الراحل يمتزج بتاريخ اليمن الجمهوري المعاصر كأحد وأهم نتاجات اليمن الجمهوري بواسع طيفه، و كأحد منتجي ثقافة الثراء والتنوع والحداثة العربية وكأحد صروح التنوير، لا كتابة فقط وإنما مأسسة، اذ على يده أمتد التعليم الجامعي إلى كل محافظات الوطن من خلال عمله على تأسيس فروع لجامعة صنعاء في اغلب عواصم إن لم يكن في كل عواصم محافظات الجمهورية اليمنية والتي لولاها لظل التعليم الجامعي حكرا على القادرين فقط على الانتقال الى صنعاء وحدها.

على مدار عشرين عاما كامله شهد الوطن تخرج عشرات الدفع و آلاف الخريجين الجامعيين في كل ربوع الوطن، وذلك بفضل قرار حكيم اتخذه رائد التعليم الجامعي حينها عبدالعزيز المقالح بفتح فروع لجامعة صنعاء أوصلت التعليم الجامعي لكل محافظة، كل من يحمل درجة أستاذ جامعي او أستاذ مشارك داخل اليمن درس في عهد الدكتور عبدالعزيز المقالح ودور مثل هذا و أثره في حياة الوطن يحتم على الوطن تكريم صاحب هذا الدور لا بإطلاق اسمه على قاعات ومنشأات وإنما بإطلاق اسمه على جامعة صنعاء نفسها.


لن اتحدث عن دور الراحل الأدبي ولن أتحدث عن روضة الاربعاء التي كان يفوح عبقها من مجلسه على مدار خمسين عاما ولن أتحدث عن دوره كشاعر عربي حداثي معاصر كان يقف على قدم المساواة مع ادونيس وامل دنقل وصلاح عبدالصبور ومحمد عبدالمعطي حجازي وشاكر السياب كمؤسيين ورواد لشعر الحداثة العربي ولن أتحدث كذلك عن دعمه وتقديمه لمئات الشعراء اليمنيين وتحفيزه لهم ومساندته المادية والمعنوية و الأدبية لهم وتجاوزه عن الكثير من هفواتهم واخطاءهم، ولن أتحدث عن سيد المشهد الأدبي اليمني الذي كان من رحابة الصدر الى درجة أنه بإمكان اي كان أن يقف في وجهه ويقول له لا لقد اخطأت دون ان يخاف من امتلاك هذا الرجل لسلطات تجعله يرمي اي أديب في غياهب النسيان، لن اتحدث عن كل هذا لأن الأولى بالحديث هم مئات الشعراء الذي تتصدر صفحات دواوينهم كلمات الفقيد الراحل الذي كان تقديمه لاي ديوان إجازة واعتراف بابداعية صاحب الديوان.

عبدالعزيز المقالح كان علامة فارقة وضرورة تاريخية في المشهد الأدبي اليمني بل هو المؤسس الحقيقي لهذا المشهد وأقول جازما غير مبالغ، انه لولا عبدالعزيز المقالح لما وجد مشهد أدبي يمني بالشكل الذي نراه الأن، لقد كان الراحل سفير الأدب وممثله في بلاط السلطة، لكنه لم يكن كما هو حال الكثيرين من رجال السلطة في كل بقاع العالم عين السلطة او هرواتها او رجلها في عالم الأدب، وإنما انتبذ مكانا قصيا لا يستطيع بلوغه، الا رجل بحجم المقالح فكان دليل السلطه التي تمضي وفقا لارشاداته ولا يمضي وفقا لارشاداتها، فكان دليلها نحو إنشاء مشهد أدبي حقيقي ذو طابع ديموقراطي متنوع وثري بعيد عن الاقصاءات والتهميشات والالغاءات، كان رحمه الله من القلائل او النادرين على مستوى العالم ممن يدفعون السلطات نحو القبول بالآخر ونحو نشر ثقافة التنوع والاختلاف فكان المشهد الأدبي الذي انشأه المقالح بعيدا كل البعد عن قيود ورقابة واغلال السلطات، بل انه بما لديه من وعي وماله من ثقل جعل السلطة في اليمن كأنها في بلد من العالم الاول فيما يخص الأدب حتى انها تبنت نفس قناعات الراحل بضرورة ان يتمتع الأدباء بحرية رأي كاملة غير منقوصة.

كان رحمه الله اديبا ثقف السلطة وجعل منها اداة في خدمة المبدعين ولم يكن عصاة تقمع بها السلطة الشعراء والمبدعين كما كان الكثير من المثقفين في العالم الذي كان اقترابهم من السلطات لعنة على الشريحة التي ينتمون إليها.

يمكنني القول ان الاديب الراحل لم يروض السلطة فقط وانما نزع انيابها وجردها من كل سلطاتها فيما يخص الأدب فشهدت اليمن انتخابات إتحاد الأدباء على الصعيد الرسمي وكان كل اعضاءه من اليساريين والقوميين الذين هم على الصعيد السياسي في حالة عداء سياسي مع السلطة، نعم شهدنا مشهدا ادبيا لم يكن للسلطة اي تدخل فيه وذلك بفضل جهود شخصية عظيمة مثل المقالح لم تدخل في حالة صدام مع السلطة ولم تشتبك معها ولم تمارس اي مما يمكن وصفه بانه نوع من المراهقة السياسية والادبية التي تنزع الى العنف اللفظي والظواهر الصوتيه بحثا عن بطولات وهمية زائفة على الصعيد الشخصي دون ان تحقق أي مكتسبا جمعيا كما فعل الراحل العظيم الذي اتخذ من الهدوء، و المرونة، والحكمه، والرزانة، والفطنة، سياسة استطاع من خلالها ليس فقط ان يضمن عدم تدخل السلطة في المشهد الأدبي وإنما ان يضمن كذلك رعايتها له دون ان تتدخل في مجريات اموره فكسبت اليمن مشهدا ادبيا غاية في الثراء والتنوع.

ليس مبالغة ولا مغالطة ولا انكارا لأحد، إذا قلت ان يمن ماقبل 26 سبتمبر 1962، كانت يمن بلا أدب، لأنها كانت بلا شيئ على كل الأصعدة، وكذلك إذا قلت ان يمن ما بعد ثورة سبتمبر او اليمن الجمهوري كانت لها أولويات ليس من بينها الأدب حتى جاء المقالح فجعل من الأدب أحد أولويات اليمن الجديد لا من خلال تبني اليمن الجديد لسياسات تشجع الأدب بشكل مباشر وإنما من خلال شخص الراحل عبدالعزيز المقالح الذي بتقلده لمنصب حكومي واكاديمي هام ضمن أعلى مناصب السلطة وهو رئاسة جامعة صنعاء فكأنما حظى الأدب بمشروعية و شرعية واعتراف كأحد مكونات اليمن الجديد.


لقد نال الأدب مشروعيته من خلال ترؤس أحد الشعراء لجامعة صنعاء وبالتالي فالادب أصبح له سلطة ومؤسسة مادية ترى بالاعين وتلمس بالأيدي ولم يعد الأدب مجالاً للغاووين والموهومين على قلتهم في تلك الايام، لكن في مثل تلك الظروف التاريخية التي كان الجهل فيها سيد الموقف فتح الناس أعينهم على حقيقة جديدة هي أن الشعر والأدب أصبح لهما نفوذ وتاثير من خلال شخصية الراحل ومسيرته الأكاديمية والمهنيه ويمكنني القول جازما ان اغلب الشعراء في المشهد الأدبي اليمني الآن هم من خريجي قسم اللغة العربية في جامعة صنعاء او من الكليات الملحقة بها في المحافظات وكلهم قد تأثروا بنتاج وسيرة وشخص الراحل المقالح وكلهم دون استثناء حظوا بدعمه ورعايته.


من أجل ان يصبح المشهد الأدبي اليمني حاضرا بقوة على الصعيد الانساني اقتضت الضرورة التاريخية وجود شخص الراحل عبدالعزيز المقالح في موقع قوي في إطار السلطة فلم يكن لأي شاعر يمني أي كانت ابداعيته القدرة المادية على استضافة ادونيس او محمود درويش او الكثيرين غيرهم لكن المقالح استطاع ذلك من خلال موقعه في جامعة صنعاء ولاتسعفني الذاكره في سرد اسماء من استطاعت اليمن استضافتهم من الشعراء والادباء بفضل الدكتور المقالح وقد كان حضورهم تلك الأيام، أيام ماقبل الانترنت والتواصل الاجتماعي هو الطريقة الوحيدة لتعريف الشعراء اليمنيين بجديد الأدب خارج اليمن وكذلك بتعريف الشعراء العرب بما اصبحت اليمن تزخر به من مواهب ونتاجات ابداعية.

لقد فجعنا رحيله وجعلنا نعض أصابع الندم على فقدان كنز أدبي نسينا او تناسينا وجوده بيننا حتى ذكرنا به رحيله الذي يظل مفاجئا لنا مهما كان السن الذي بلغه الراحل حتى لو كان مئات الاعوام، فلم نكن نتوقع يوماً ما، ان يموت المقالح او بالاصح ان تسقط أعمدة معبد الشمس، مشروع الشاعر الكبير الدكتور المقالح اكتمل بموته لكن هذا المشروع ليس مشروعا شخصيا وانما مشروع وطنيا كانت الديمومة والاستمرارية هي ما تشكل منها هذا المشروع الذي سيستمر في التسامق والتبنين بفضل ما اسسه عليه الراحل من بنيان مكوناتها آلاف الشعراء والكتاب اليمنيين الذين سيمضون بهذا المشروع عاليا في افاق السماء.

 

الحديث عن التاريخ وبالتاريخ أعني المقالح يحتاج شيئين، مؤرخ وأسفار، وبينما تنقصني الأولى فالثانية يجب ان تتم من خلال عمل مؤسسي يليق بمكانة وحجم قيمة تاريخية يمنيه إسمها عبدالعزيز المقالح.
#الوفاق_نيوز

مصدر هذا الخبر وقع محافظة الحديدة:
https://yemen-online.club
عنوان الرابط لهذا الخبر هو:
https://yemen-online.club/?no=94032