واعتبرت مدريد المبادرة المغربية، بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف" المتعلق بالصحراء المغربية، حسب ما جاء في بيان للديوان الملكي المغربي.
تصريحات سانشيز من شأنها أن تذيب الجليد بين الجارتين، بعدما عرفت العلاقات فتورا دبلوماسيا، بسبب استقبال اسبانيا لزعيم البوليساريو في أبريل 2021، قصد العلاج، وهو ما أثار حينها احتقانا بين البلدين.
"انتصار دبلوماسي"
تعليقا على الموضوع، أكد متابعون أن الدبلوماسية "الحكيمة" للمغرب، نجحت في تحقيق انتصار استراتيجي جديد على مستوى ملف الصحراء المغربية.
وقال الأكاديمي والمحلل السياسي، محمد بودن "إن رسالة رئيس الحكومة الإسبانية للملك محمد السادس، تمثل مؤشرا على دخول العلاقات بين البلدين في مرحلة إيجابية هادفة يمكنها أن تشكل نقطة تحول استراتيجية في إطار دينامية حبلى بالعوامل المشجعة".
وبحسب المتحدث فإن "تعبير إسبانيا بوضوح عن قناعاتها بخصوص قيمة مبادرة الحكم الذاتي التي قدمتها المملكة المغربية سنة 2007، كحل منطقي ومرجعي للنزاع الاقليمي حول الصحراء المغربية ومركزية وحدة أراضي البلدين يمثل التزاما جديدا لإسبانيا مع المغرب كشريك استراتيجي أساسي في شمال إفريقيا. "
وتابع رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية في حديث إلى موقع "سكاي نيوز عربية"، أن المغرب سيحقق مكاسب كثيرة من الموقف الإسباني، فمدريد لها دور تاريخي في ملف الصحراء المغربية، والاستدارة في موقفها وتكييفه مع مصالح المغرب يبقى لافتا وغير مسبوق.
وزاد بودن أن "الدبلوماسية الملكية أحدثت تأثيرا حقيقيا في الموقف الإسباني، وهنا يتبين أن هدف المغرب لم يكن إنهاء الأزمة مع إسبانيا فقط، بل حصول متغير استراتيجي في موقفها بخصوص الصحراء المغربية."
واسترسل المحلل أن المملكة المغربية استثمرت علاقاتها الدولية لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، فالموقف الإسباني حطم أوهام البوليساريو، كما أن القرار منسجم مع الأسس المعيارية لقرارات مجلس الأمن، خاصة القرار 2602."
وخلُص بودن إلى أن "وجود إدراك إسباني صريح لمكانة المملكة المغربية في الفضاء الإقليمي وما تمثله قضية الصحراء المغربية بالنسبة للمغاربة ومدى الترابط الوثيق بين مصالح البلدين جيواستراتيجياً واقتصادياً وأمنياً".
وأضاف أنه "لم يكن بإمكان مدريد أن تتجاهل فرص التعاون المشترك بين البلدين بحكم طبيعة العلاقات الثنائية المغربية - الإسبانية كواحدة من أهم العلاقات بين بلد أوروبي، وبلد إفريقي لما تتمتع به من زخم، وتاريخ حافل، ومستقبل واعد لدى البلدين في الفضاء الأورو متوسطي".
قرار إسباني "ذكي"
من جانبه، جدد رئيس الحكومة الإسبانية الأسبق، الاشتراكي خوسي لويس رودريغيز ثاباتيرو، دعمه لمخطط الحكم الذاتي المقترح من طرف المغرب من أجل تسوية النزاع حول الصحراء المغربية، مؤكدا أن الموقف الجديد لبلاده بشأن هذا الملف "ذكي سياسيا".
وقال ثاباتيرو، في حديث للإذاعة الإسبانية "كادينا سير" إن "الصحراء تعد قضية رئيسية بالنسبة للمغرب. ويبدو أن فتح الطريق ودعم الحكم الذاتي قرار ذكي من الناحية السياسية".
وأشار إلى أن المقترح المغربي يحظى بالتأييد من قبل مجموعة من الدول الأوروبية، وينبغي تدارسه على مستوى الأمم المتحدة، بغرض إيجاد تسوية لهذا الخلاف الذي طال أمده، مذكرا بأنه كان دوما يساند مقترح الحكم الذاتي منذ تقديمه سنة 2007.
الزعيم الاشتراكي السابق، أوضح أن موقف إسبانيا الجديد، الذي عبر عنه رئيس الحكومة، بيدرو سانشيز، في رسالة وجهها الملك محمد السادس، يفتح الطريق أمام صفحة جديدة في التعاون القائم بين البلدين.
مكاسب اقتصادية
لا شك أن طي صفحة الخلاف مع إسبانيا سيخلف ارتياحا في الأوساط الاقتصادية للبلدين؛ في هذا الصدد، قال أستاذ الاقتصاد بالتعليم التقني العالي، الحسين الفرواح، إن هذا الموقف التاريخي لإسبانيا، سيدفع العلاقات الاقتصادية والتجارية نحو مزيد من التطور في إطار الشراكة الاستراتجية بين المغرب والاتحاد الأوربي التي تعتبر إسبانيا فاعلا مهما فيها.
وأورد الخبير في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية" أن المبادلات التجارية بين المغرب والاتحاد الأوربي تمثل 53.7 في المئة من مجموع المبادلات التجارية المغربية سنة 2020 ومن المتوقع أن تتطور مستقبلا بعد تبديد الشكوك وبناء الثقة بين الطرفين، وطي صفحة الفتور في العلاقات الثنائية، خصوصا بعد التوتر غير المسبوق بين البلدين، الذي أعقب استقبال إسبانيا لزعيم جبهة البوليساريو للعلاج".
في السياق ذاته، لخّصَ الصحفي والمحلل السياسي مصطفى الطوسة موقفه قائلا: "لقد قيل وكُتب الكثير عن الأسباب التي دفعت السلطات الإسبانية إلى اتخاذ هذه الموقف الكبير المتسم بالوضوح. وتحدث البعض عن التأثير الأميركي على مستويات متعددة على الإسبان. كما تطرق آخرون إلى النتائج السياسية للتحالف الثلاثي الموقع بين المملكة المغربية وإسرائيل والولايات المتحدة."
ويضيف الطوسة أن الواقع مختلف تماما "لأن هذا التحول الإسباني في قضية الصحراء هو ثمرة دبلوماسية مغربية فاعلة استطاعت أن تصوغ بقوةٍ وقناعةٍ وتصميمٍ مبادئها والدفاع عن حقوقها".
كما تابع الصحفي في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية" أن هذه الخطوة الإسبانية تمثل "تسريعا نوعيا لعجلة التاريخ" و"نقطة تحول" تعيد ترتيب الأوراق الإقليمية وتغير موازين القوى في هذه المنطقة الحساسة جدا لأدنى صدمة سياسية".
وأكد الطوسة، أن "هذا التحول الإسباني بناء ولا يقل أهمية عن الاعتراف الأميركي بالوحدة الترابية للمغرب وسيادته على صحرائه".