مساء أمس الأحد أعلنت جمعية الصرافين بالعاصمة المؤقتة عدن وقف جميع شبكات الحوالات المالية، بعد انهيار جديد للعملة المحلية أمام العملات الأجنبية.
الإعلان الذي جاء تنفيذًا لقرار البنك المركزي اليمني، قالت الجمعية بان سيكون مفتوحاً "حتى اشعار آخر" ، وذلك في محاولة من البنك لوقف الانهيار المتسارع للعملة المحلية خلال الساعات الماضية.
حيث وصل سعر الصرف الدولار الأمريكي الى نحو 950ريالاً يمنياً في حين وصل سعر صرف الريال السعودي الى 250ريالاً ، وهو مستوى قياسي تصل اليه العملة المحلية وينذر بكارثة تضخم في الأسعار على المواطنين.
وجاء هذا الانهيار على وقع الازمة التي تفجرت مؤخراً بعد الكشف عن وصول مليارات من العملة المطبوعة الى عدن والمكلا ، وتحمل هذه المرة شكل العملة القديمة المتداولة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي ،التي سارعت الى التوعد بمنع تداولها وتبين الفرق بينها وبين العملة المتداولة بمناطقها.
جماعة الحوثي التي قالت بأن الكمية التي وصلت لبنكي عدن والمكلا تبلغ 600 مليار ريال ، مهدداً في بلاغ أصدرته امس الأحد باعتقال كل من يثبت حيازته لها في مناطق سيطرتها.
التحدي الحوثي بمنع كميات العملة الجديدة من التداول بمناطقها، يرى متابعون بان يعني تكدسها في المناطق المحررة وان ذلك قد يفسر الانهيار الذي تعرض له العملة المحلية مؤخراً.
ومنذ لجوء حكومة الشرعية الى طباعة كميات من العملة المحلية منذ عام 2017م ،والتي تشير تقديرات الى أنها بلغت أكثر من تريليوني ريال ، بات الاعتقاد السائد بانها ذلك هو السبب الوحيد او الرئيسي لتراجع العملة المحلية بمناطق الشرعية مقارنة بمناطق سيطرة جماعة الحوثي التي تمنع التداول بها ولايزال فيها سعر الدولار مستقراً عند سعر الـ600 ريال.
الا أن هناك اراء وشواهد تناقض هذا الربط بين انهيار العملة المحلية في المناطق المحررة وطباعة كميات منها ، وتشير الى ان انهيارها يعود الى عملية تلاعب منظمة بسعر الصرف جراء فشل او ربما تواطؤ من الشرعية وحكومتها.
ابرز هذه الشواهد هو الانخفاض المفاجئ والكبير للعملات الصعبة امام الريال في ديسمبر من العام الماضي بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة وتقرب وصولها الى عدن ، حيث تهاوى سعر الدولار حينها من نحو 900 ريال الى نحو 650ريالاً خلال أيام.
هذا التهاوي المفاجئ للعملات المحلية بدون أسباب تذكر ودون أي تدخل حكومي او من البنك في عدن ، لتعود الى وضعها السابق مع وصول الحكومة الى عدن ، ليشكل الأمر نسفاً للاعتقاد السائد بان سبب تهاوي الريال في المناطق المحررة مرتبط بطباعة العملة المحلية ، ودفع بالشكوك الى وجود ايادي خفية تتلاعب بذلك.
وهو ما يشير اليه رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر في تعليق له على الأزمة الأخيرة ، حيث يؤكد بأن التراجع في سعر الريال في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية ناجم عن مضاربة بالعملة وفساد وليس طلبا حقيقيا للعملة.
ويرى نصر بأن الحكومة تتحمل بدرجة رئيسية هذا الوضع المختل وهي مطالبة بأن تعمل على إعادة سعر الريال إلى ما دون 600 ريال للدولار الواحد على أقل تقدير.
هذه الحقيقة اقر بها رئيس الوزراء معين عبدالملك في مؤتمر صحفي عقده في قصر المعاشيق في الـ 11 من شهر مارس الماضي ، قال فيه بأن السعر العادل للصرف بحسب الخبراء الاقتصاديين هو أقل من 700 ريال مقابل الدولار الواحد
مشيراً بوضوح الى ان السبب وراء تجاوزه لهذا السعر هي المضاربة خارج إطار البنك ، وقال : بعض الأحيان يحصل ضغط ويرفع سعر العملة بشكل غير مبرر ولا واقعي ولا منطقي.
رئيس الوزراء كشف في حديثه عن نقطة هامة حول قضية تراجع سعر العملة المحلية والجهة التي تمثل ضغطاً على العملة الصعبة، حيث قال بأن استيراد الوقود يمثل 60% من الطلب على العملة الصعبة في حين ان الباقي 40% من الطلب على العملة متعلق باستيراد الغذاء مؤكداً بأنه يمكن توفيره بشكل كبير.
بشكل غير مباشر يؤكد حديث رئيس الوزراء بان النسبة الأكبر من الضغط الذي يحصل على العملة الصعبة يأتي من كبار مستوردي المشتقات النفطية، وعلى رأسهم رجل الاعمال الاخواني أحمد العيسي الذي يستحوذ على الحصة الأكبر من هذا المجال ويجعله في دائرة الاتهام بالتلاعب بالعملة الصعبة.
رئيس الوزراء حينها أكد بان حل هذه المعضلة وتخفيف الطلب على العملة الصعبة يتطلب إعادة دور مصافي عدن، مؤكدا وجود توجه حكومي لإعادة العمل في المصافي المتوقفة عن عملها بتكرير النفط الخام منذ 5 سنوات.
وعقب شهر واحد من تصريحات رئيس الحكومة ، كان أحد وزراءه وهو أحد وزراء المجلس الانتقالي الجنوبي يكشف في أمسية رمضانية عن صراع تخوضه الحكومة ضد ما اسماها بقايا الدولة العميقة حول عدد من الملفات والمواضيع.
حيث قال وزير الخدمة المدنية والتأمينات عبدالناصر الوالي بأن اهم ملفات الصراع مع "الدولة العميقة" يدور حول عودة مصافي عدن وبشكل عنيف، مؤكداً أن عودة المصفاة للعمل يعني استقرار الكهرباء والمياه والوقود والعملة والغذاء.
وكشف الوزير بان الحكومة صرف مبلغ 7 مليون دولار للشركة الصينية التي تعمل حالياً على صيانة المصفاة، لكنه قال بان جهات – لم يسميها – تعرقل صرف هذا المبلغ.
ما يثير الانتباه هو استشهاد الوزير بمقولة مشهورة لشرح صعوبة المعركة مع هذه "الدولة العميقة" ، حيث أورد الوزير شطراً لبيت شعري منسوب الى احد علماء علم الحديث وهو ابوسفيان الثوري يقول فيه " يا رجال العلم يا ملح البلد .. من يصلح الملحُ إذا الملحُ فسد".
يشير هنا عالم الحديث الى أن العرب تستخدم الملح في الحفاظ على اللحم أطول فترة ممكنة حتى لا يفسد ، ولكن المعضلة تتجسد حين يفسد الملح ، ليتحول هذه البيت الى مقولة مشهورة لدى العرب ، باستحالة الحفاظ على شيء اذا كانت أداة الحفظ نفسها فاسدة.
ولعل هذا ادق توصيف على حجم المأساة التي تعاني منها المناطق المحررة عبر سلسلة من الأزمات الناتجة عن الفساد والعبث ، التي لا يمكن أن يأتي حلها من قبل الشرعية الغارقة هي بذاتها في الفساد بل ان جماعة الاخوان المسيطرة على قرارها حولتها الى مصدر لإنتاج الفساد وحمايته.