تحليل: باب المندب والساحل الغربي لليمن.. ديناميكيات النفوذ المتغيّرة

متابعات

في السابع من يناير 2017، انطلقت عملية "الرمح الذهبي" بقيادة نائب رئيس هيئة الأركان في وزارة الدفاع اللواء أحمد سيف اليافعي، في عملية عسكرية نوعية بمشاركة ودعم من التحالف العربي؛ وعلى وجه الخصوص دولة الإمارات العربية المتحدة، تولت فيها عملية التحرير الوحدات العسكرية الجنوبية المشاركة من (ألوية الدعم والإسناد - وعلى رأسها اللواء الثالث حزم بقيادة العميد ركن عمر الصبيحي، واللواء الأول حزم بقيادة العميد ركن عبد الغني الصبيحي، وقوات العمالقة، وقوات أخرى يقودها وزير الدفاع الأسبق هيثم قاسم طاهر).

هذه القوات والتشكيلات العسكرية كان لها الدور الأكبر في القيادة، إذ تمثّل الهدف الرئيس من العملية استعادة باب المندب ومدن الساحل الغربي المطلة على البحر الأحمر من الحوثيين. ولم تشارك قوة شمالية أخرى إلا بعد تحرير مدينة المخا والسيطرة على معسكر "خالد بن الوليد"، ووصول القوات الجنوبية إلى الخوخة كأول منطقة مأهولة تتبع محافظة الحديدة، والتي حررتها بإسناد من المقاومة التهامية التي خاضت معاركها من الخوخة بعد تشكيلها وتدريبها بوقت قصير.

نجحت عملية "الرمح الذهبي" في استعادة المناطق على الساحل الغربي بالتوالي، من باب المندب إلى المخا والخوخة ثم الخط الساحلي الرابط بين الحديدة وعدن؛ وصولًا إلى أجزاء داخل مدينة الحديدة عاصمة المحافظة، خلال عامي 2017 وأواخر 2018م. وتجنّبت القوات خوض القتال في المناطق المأهولة على الخط المقابل في الطريق الرابط بين تعز والحديدة باستثناء مدينة حيس. جاء اتفاق استوكهولم كهدنة بين أطراف الأزمة اليمنية "الشرعية والحوثيين"، الذي تم التوقيع عليه في 13 ديسمبر من عام 2018 برعاية الأمم المتحدة، في الوقت الذي كانت فيه ألوية العمالقة الجنوبية والمقاومة التهامية مع التحالف العربي تنوي استكمال تحرير باقي مدينة الحديدة وصولا إلى مينائها والمضي شمالها باتجاه ميناء الصليف وباقي المديريات؛ وذلك بالتوازي مع عملية "السهم البحري" التي أطلقتها قوات الشرعية لتطهير سواحل ميدي والجزر التابعة لها من الألغام البحرية. مع ذلك لا اتفاق ستوكهولم حقق نجاحًا، ولا لجنة تنسيق إعادة الانتشار المنبثقة عنه حققت تقدمًا، رغم المرونة التي أبدتها الحكومة اليمنية في التعاطي مع ملف الحديدة، بيد أن خرق الحوثيين للاتفاق وتعنتهم أسهم في زيادة الأزمة الإنسانية.

ينبغي القول، أنّ عملية تحرير الساحل الغربي والجزر المقابلة له ابتداءً من جزيرة ميون على المضيق التابع إداريا لمحافظة عدن حتى مدينة الحديدة باتجاه الشمال، شكّل أهمية استراتيجية بالغة من حيث تأمين أهم الممرات الملاحية البحرية في المنطقة، وإغلاقه لأحد أبرز أبواب التهريب التي كانت تتم عبر السواحل من قبل الحوثيين، وكذلك تموينه لخطوط القتال في عمليات استكمال تحرير الساحل. فالبحر الأحمر من ناحية اليمن قبل تحريره من التواجد الحوثي، كان يمثّل تهديدًا كبيرًا للتجارة والنقل الدوليين، إذ كان الحوثيون يشنون هجمات بالصواريخ المضادة على السفن العابرة نحو مضيق باب المندب، والتي يُعتقد أنّ الحرس الثوري الإيراني كان قد زودهم بها. سفينة "سويفت2" الإماراتية عالية السرعة التي كانت سابقًا ملك البحرية الأمريكية وتم بيعها لدولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2015 [1]، إحدى السفن التي تضررت من تلك الهجمات. فضلا عن هجمات على بعض السفن السعودية؛ كالهجوم الذي اعتبرته قيادة التحالف تهديدًا لأمن الملاحة، وذلك باستهداف الحوثيين لفرقاطة سعودية غرب ميناء الحديدة، والذي نتج عنه انفجار جرّاء هجوم ثلاث زوارق انتحارية اصطدم أحدها بمؤخرة الفرقاطة. وقبل ذلك الهجوم الذي تعرضت له المدمرة الأمريكية "يو إس إس مايسون"، عام 2016. تزامن معه هجمات متقطعة لناقلات نفط مدنية يمنية تعبر المضيق.

الموقف العام بالنسبة للحوثيين كان صعبًا، إذ خرجوا من جولة الساحل بخسارة فادحة، وهو ما جعلهم يكثفون من ضرباتهم الصاروخية بعمليات عسكرية دقيقة جدًا، أدت إحداها لمقتل اللواء أحمد سيف اليافعي الذي قاد "الرمح الذهبي" وعدد من مرافقيه في باب المندب. وقبل ذلك مقتل اللواء عمر الصبيحي برصاص قناصة بالقرب من باب المندب أيضًا. مقتل اليافعي سبب جدلًا واتهامات أومأت بعضها عن فرضية تسريب إحداثيات للحوثيين بالضربة التي وجهت مباشرة لخيمته بدقة عالية؛ دونًا عن آلياته العسكرية.

العصب التجاري الأهم

لم يأتِ التركيز على أهمية موقع مضيق باب المندب دون سبب، إذ تكمن أهميته في أنه أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها احتضانا للسفن، حيث يربط بين البحر الأحمر وخليج عدن الذي تمر منه كل عام 25 ألف سفينة تمثل 7% من الملاحة العالمية، وتزيد أهميته بسبب ارتباطه بقناة السويس وممر مضيق هرمز [2]. في الواقع، باب المندب أحد أهم حلقات الوصل الرئيسية في مسار التجارة الدولية، خاصة مع ازدياد أهمية النفط الخليجي، إذ يقدر عدد السفن وناقلات النفط العملاقة التي تمر فيه في الاتجاهين، بأكثر من 21000 قطعة بحرية سنويا (57 قطعة يوميا) [3]. وفي قلب مضيق باب المندب تقع جزيرة بريم أو (ميّون)، التي تقسمه إلى ممرين بحريين أحدها شرقي ضيّق؛ عرضه أقل من 4 كيلومتر، وآخر غربي يقدّر عرضه بحوالي 23 كيلومتر. ويمتد المضيق بين الضفتين ابتداءً من رأس باب المندب شرقًا إلى رأس سيان في جيبوتي غربًا بحوالي 30 كيلو مترًا.

"تعامل الجنوبيون مع جزيرة ميّون من منطلق التاريخ والجغرافيا والسياسة"

علاوةً على ذلك، يتمتع المضيق بأهمية عسكرية وأمنية كبيرة، وسبق أن أغلقته مصر أمام إسرائيل خلال حرب 1973، وأيضًا قامت قوة أمريكية بالعمل على تأمين الملاحة في المضيق بعد هجمات سبتمبر/أيلول عام 2001 في الولايات المتحدة؛ لمواجهة تنظيم القاعدة والقراصنة في المنطقة.

تشكل السيطرة على مضيق باب المندب أفضلية استراتيجية لليمن؛ لامتلاكه جزيرة (ميّون). وقد كانت الجزيرة تابعة لليمن الجنوبي "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" قبل إعلان الوحدة اليمنية عام 1990.

تعامل الجنوبيون مع جزيرة ميّون التي تشكل أهمية استراتيجية لإطلالتها على مضيق باب المندب؛ من منطلق التاريخ والجغرافيا والسياسة بتبعيتها لليمن الجنوبي قبل الوحدة اليمنية، وهو ما انعكس على الأبعاد التي شكلت دوافعهم بعد قيام الحرب الأهلية في اليمن 2015، وأهمها رغبتهم باستعادتها من الجمهورية اليمنية ضمن مشروع استعادة الدولة؛ هو السبب الذي جعلهم أيضاَ يقودون المعارك العسكرية التي حررت المناطق المطلة على باب المندب من التواجد الحوثي مطلع العام 2017.

قوى جنوبية تفرض نفسها

تتوالى السردية التي تتهم أبوظبي بالسيطرة على الجزر اليمنية، والتي كان آخرها اتهامات بالنفوذ على جزيرة ميّون الواقعة في قلب مضيق باب المندب، التي سرعان ما نفاها مسؤول في التحالف العربي الذي تقوده السعودية، في توضيح بأن القوات المتواجدة في ميون تحت سيطرة قيادة التحالف؛ فيما يخدم حد قوله تمكين قوات الشرعية والتحالف للتصدي للحوثيين وتأمين الملاحة البحرية وإسناد قوات الساحل الغربي [4]. وفي ظل المؤشرات التي تم سردها أعلاه عن عملية تحرير مناطق باب المندب من الحوثيين عبر "الرمح الذهبي" في 2017، فإنّ تواجد قوات التحالف العربي على جزيرة ميون جاء بالتوافق والتنسيق مع قوات عسكرية جنوبية تنتشر على امتداد المضيق والجزيرة، والتي حررت بدورها هذه المنطقة الاستراتيجية ومازالت تحميها.

فباب المندب هو محور عسكري بحد ذاته، ومجمل القوة المتواجدة على امتداد محيطه وعمقه الأمني هي قوة عسكرية جنوبية، إذ لا توجد قوات أخرى في المديريات المحيطة به؛ منها طور الباحة التابعة للمنطقة العسكرية الرابعة التي يقودها اللواء فضل حسن. لذا يبدو أنّ التواجد الجنوبي للوحدات العسكرية المنتشرة على باب المندب خفف الضغط العسكري على المنطقة الاستراتيجية الأهم. فالوحدات المتواجدة منها: اللواء الأول حزم، واللواء الثالث حزم، وقوات من العمالقة، وقوات الحزام الأمني وكذلك قوات الصاعقة، شكّلت قوة عسكرية مشتركة، تعمل كفريق وقوة دفاعية واحدة عن باب المندب وخط الملاحة البحري. نتيجة لذلك، فقد تمتعت كافة هذه القوى العسكرية بمستويات متعددة من دعم التحالف؛ تحديدًا من (السعودية والإمارات)، ما عزّز من دورها في حماية المنطقة بشكل عام.

"من الأنسب للتحالف الاستمرار بدعم القوى العسكرية الموثوقة التي برهنت عن مواقف واضحة تتوازى مع المواقف الإقليمية والدولية"

طبيعة التنافس على الموقع الاستراتيجي الأهم، سمح بمحاولات عناصر من جبهات أخرى محسوبة على حزب الإصلاح اليمني التسلل نحو محافظة لحج ومديرياتها الساحلية، وهي جبهات يسودها التوتر مع القوات الجنوبية، غير أنّ الأخيرة تتصدى لها بسبب حالة العداء التقليدية مع حزب الإصلاح الذي يصفه البعض بالذراع العسكري لجماعة الإخوان المسلمين. لذا فالتواجد المحسوب على الإصلاح يقتصر على مناطق جبلية جنوبي تعز وبالتحديد منطقة التربة والمقاطرة ويفرس، إضافة لمعسكرات أخرى عالقة في مرتفعات الحجرية، وقوة صغيرة في أطراف طور الباحة باتجاه المقاطرة؛ غير ذي تأثير مقابل القوات الجنوبية المناهضة لها على الطرف الآخر -حسب مصدر ميداني عسكري-.

في ضوء هذا الواقع، يبدو أنه من الأنسب لسياسة التحالف العربي كحليف استراتيجي للمجلس الانتقالي الجنوبي والقوى العسكرية الجنوبية الذي ينتمي بعضها للأخير، الاستمرار بدعم القوى العسكرية الموثوقة التي برهنت عن مواقف واضحة تتوازى مع المواقف الإقليمية والدولية، التي تقتضي بضرورة حماية أمن الملاحة البحري وتأمين باب المندب والبحر الأحمر، من أي قوى من شأنها زعزعة الأمن الإقليمي والدولي؛ خاصة وأنّ الحوثيين المحسوبين على إيران قد سبق لهم السيطرة على كافة المناطق المطلة على المضيق قبل خروجهم بالقوة العسكرية منها؛ إضافة لذلك، محاولات قوات عسكرية يسيطر عليها تنظيم الإخوان المسلمين المحسوب على تركيا الوصول إلى المضيق بعد سيطرتهم على مرتفعات مهمة تشرف عليه.

تحديات على الساحل الغربي

كان لقوات العمالقة الجنوبية وقوات الحراك والمقاومة التهامية الأولوية في قيادة معركة الحديدة ميدانيًا؛ ومع أنّ الدور الأبرز كان لقوات العمالقة التي يقودها أبو زرعه المحرمي، إلا أنّ دور المقاومة التهامية توسّع تدريجيا منذ بداية معركة الساحل الغربي في الجزء الواقع في محافظة الحديدة؛ ابتداءً من الخوخة وصولا إلى مدينة الحديدة نظرًا للحاضنة الشعبية والدافع القتالي ضد الحوثيين لأفراد تلك الألوية المنتمين جغرافيا للمنطقة. وقد بدأت المقاومة التهامية بخمسة ألوية بدعم كامل من التحالف تدريباَ وتأهيلاَ وتسليحاَ واعتمادات مالية. أشرف على هذه الألوية قائد الحراك والمقاومة التهامية الشيخ/ عبد الرحمن حجري؛ إذ كان قائدا للألوية التهامية وأشرف على التحشيد والتجنيد لهذه الألوية الخمسة؛ التي تشكلت قبل بدء معركة تحرير الخوخة بدعم كامل من التحالف؛ ومن ثم شاركت في تحريرها. وعُرف حجري بصفته قائدا للألوية التهامية، وكان عليه أن يختار قادة الألوية عبر تزكيتهم لاعتمادهم من التحالف.

بعد دخول العميد طارق صالح منتصف عام 2018 الذي يقود قوات "حراس الجمهورية"، للمشهد العسكري في الساحل؛ دعم التحالف العربي الألوية التهامية عبر قنوات غير الحراك التهامي بسبب ابداء قيادة الحراك عدم ارتياح من مشاركة طارق صالح في الساحل الغربي؛ ونتيجة انقطاع التمويل عن الحراك التهامي انتقل كثير من نشطائه للعمل ضمن طواقم قوات طارق صالح، وبدأت انتقادات من نشطاء حراكيين لقيادة الحراك والمقاومة التهامية بعدم التعاطي السياسي مع المستجد العسكري في الساحل؛ وهو الأمر الذي قسّم النشطاء الذين كانوا يلتفون حول الحراك بين من بقي مؤيدا لقيادة الحراك وبين من انتقل إلى تأييد قوات طارق صالح وبدأ بمهاجمة قيادة الحراك مع بقاء إعلان ولائهم للحراك كمكوّن. لذا من غير المفاجئ أن تتقلص القوات التي كانت بيد قائد الحراك والمقاومة التهامية الشيخ عبد الرحمن حجري، بعد أن توزع أغلبها ليتبع عملياتيًا وتمويلا قوات حراس الجمهورية أو القوات التهامية التي أُنشئت لاحقا وأُلحقت بقوات العمالقة.

ورغم تبعثر قوات اللواء الثالث مقاومة تهامية؛ إلا أنّ بعض من قواته سيطرت عليها عملياتياَ قوات اللواء الثاني مقاومة تهامية التي يقودها العميد/ فؤاد باقاضي وأصبحت تتبع قوات حراس الجمهورية؛ وبعضها الآخر تحوّل تحت قيادة اللواء الثاني زرانيق المنتمي لقوات العمالقة؛ فيما استطاع اللواء الأول مقاومة تهامية الذي يقوده العميد أحمد الكوكباني البقاء بعيدا عن الانضمام للعمالقة أو حراس الجمهورية؛ مع اتهامات متواترة لقائده بقربه من جماعة الإخوان المسلمين.

والتساؤلات التي تتبادر هنا: لماذا واصل التحالف العربي دعم إنشاء قوات قوام أفرادها من تهامة وبقيادة تهامية رغم توقف دعمه للحراك؟ ولماذا لم تُضم الألوية التي أُنشئت لاحقاً إلى قوات طارق صالح وألحقت بقوات العمالقة؟

والواضح أنّ ضم قوات تهامية وبقيادة تهامية من أبناء المنطقة امتياز تتسابق عليه كافة القوات المنضوية تحت مسمى "القوات المشتركة" في الساحل الغربي؛ وكلها مدعومة من التحالف العربي بما فيها القوات التي يقودها شخصيات قريبة من تنظيم الإخوان أو قيادات سلفية أو قيادات تهامية من أبناء المؤسسة العسكرية.

حاز طارق صالح على امتياز ضم ما تبقى من طلائع القوات التهامية والتي كانت تحت قيادة الحراك مباشرة؛ فيما ظل اللواء الأول تهامة مستقلا إداريا ومتهم بقرب قيادته من الإخوان؛ أما القوات التي أُنشئت بعد انسحاب الحراك من المشهد العسكري فقد ضُمت للعمالقة؛ وهي أربعة ألوية: اللواء السابع عمالقة بقيادة العميد علي الكنيني؛ اللواء التاسع عمالقة بقيادة العميد يحيى وحيش؛ اللواء الحادي عشر عمالقة بقيادة العقيد مأمون المجهمي؛ اللواء الثاني زرانيق بقيادة العميد مدين قبيصي؛ وقد انضم اللواء الثاني زرانيق للعمالقة بعد اعتذار قيادة اللواء الأول زرانيق عن إنشاء قيادة موحدة للوائي الزرانيق الأول والثاني.

لوائي الزرانيق يعتمدان أيضا على الصبغة التهامية في التسمية والتشكيل والقيادة؛ فقبيلة الزرانيق قبيلة مشهورة بقتالها لأئمة المملكة المتوكلية قبل ثورة سبتمبر 1962، وتسيطر القبيلة على معظم المناطق جنوب مدينة الحديدة.

تُرجع مصادر تهامية اعتذار اللواء الأول زرانيق الذي يقوده العميد سليمان منصر عن تشكيل قيادة موحدة بينه وبين اللواء ثاني زرانيق، إلى قرب سليمان منصر، وهو نجل القيادي في التجمع اليمني للإصلاح يحيى منصر، من الإخوان المسلمين؛ فيما قيادة اللواء ثاني زرانيق محسوبة على التيار السلفي.

وبحسب تنوّع قيادة الألوية التهامية ومحسوبيتها على التنوع داخل القوات المشتركة؛ يكون العميد طارق صالح قد حظي بأكثر من لواء وأقل من لواءين تهاميين (الثاني وبعض من الثالث). كما لوحظ تزايد النشاط الإعلامي لقوات طارق صالح على حساب بقية القوات المشاركة في الساحل الغربي؛ وتغيير الخطاب الإعلامي الممول منه، كتسمية قواته من "حراس الجمهورية" إلى "القوات الوطنية" محاكاة لتسمية "القوات التهامية" التي خرجت من سيطرة الحراك؛ وهي التسمية التي بدأت تحل تدريجيا على حساب (المقاومة التهامية)؛ التي تمتعت سابقا بحاضنة شعبية كبيرة لم يستطع تعويضها التغيير في تسمية "حراس الجمهورية" إلى "المقاومة الوطنية"، خاصة وأنّ لواء تهامي في قوامه لا يشكّل نسبة كبيرة من مجموع قواتها.

أمّا قوات العمالقة فتضم أربعة ألوية تهامية "السابع عمالقة" و"التاسع عمالقة" و"الحادي عشر عمالقة" و"الثاني زرانيق". ويبقى لواءين كل منهما بقيادة منفصلة وقريبين من الإخوان المسلمين (الأول تهامة؛ والأول زرانيق).

أما فيما يتعلق بديناميكيات الانتشار العسكري فتتوزع القوات المنتمية إلى تهامة كالتالي:

مدينة الخوخة والجزر المقابلة لها: ينتشر في الخوخة وجزر حنيش والطير وزقر؛ اللواءين الرابع والخامس مقاومة تهامية بقيادة العقيد مراد شراعي.

جبهة التحيتا: اللواء الأول مقاومة تهامية وقوات اللواء التاسع عمالقة.

جبهات حيس: قوات اللواء السابع والحادي عشر يتوليان غالبية القطاعات والمحاور القتالية؛ وتتولى قوات اللواء الثاني تهامة القطاع الشمالي لمدينة حيس.

جبهة الحديدة: ترابط ما تبقى من كتائب اللواء الثالث مقاومة تهامية في قطاعي منظر ومدينة الصالح في أطراف مدينة الحديدة الشمالية والجنوبية؛ وينتشر اللواء أول زرانيق في كيلو 16؛ واللواء الثاني زرانيق في كيلو 16 وحتى مقربة من مدينة الصالح، كما تنتشر في مدينة الصالح كتيبة واحدة فقط من اللواء أول تهامة وكتائب من اللواءين الرابع والخامس تهامة.

جبهة الدريهمي: اللواءين الرابع والخامس تهامة.

الأبعاد الاستراتيجية لكل قوة من القوات المشتركة

يمكن تقسيم مجموع القوات المشتركة في الساحل الغربي إلى ثلاث قوات متباينة الأهداف يجمعها مسرح عملياتي واحد وغرفة عمليات واحدة: إذ تسلسلَ ظهورها وتأثيرها بقوات العمالقة؛ وثم ألوية المقاومة التهامية؛ قبل أن تظهر لاحقًا قوات حراس الجمهورية إثر الصدام العسكري بين الحوثيين وأنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح في صنعاء.

ويُمكن القول أنّ الحساسيات التي نشأت مع الحراك التهامي من بدء دخول قوات العميد طارق صالح - التي شكلها من جديد - مسرح العمليات في الساحل الغربي؛ اختلفت خارطة التأثير هناك بعد أن حلّت قوات طارق صالح ثانيًا في التأثير بعد قوات العمالقة التي يقودها العميد أبو زرعة المحرمي؛ فيما انسحب الحراك التهامي من المشهد ما أسهم في ظهور لاعب جديد كان من الصعب ظهوره في هذا المسرح سابقا؛ متمثلاً في لواءين محسوبين على جماعة الإخوان التي حلت ثالثًا في التأثير.

ورغم تأثيرها القوي تبقى قوات العمالقة القوة التي لديها دوافع أقل للبقاء طويلاَ في الساحل الغربي، إذا ما تم التوصل إلى تسوية سياسية أو تم حسم معركة مدينة الحديدة عسكريًا بتحريرها من الحوثيين؛ وذلك بسبب الانتماء العقدي السلفي لقيادة العمالقة العليا وكذا انتمائها الجهوي لجنوب اليمن؛ بعكس القوات المتهمة بالمحسوبية على الإخوان التي قد تتقيد بالأهداف السياسية للتنظيم على المستوى الوطني العام أو الإقليمي؛ أو قوات طارق صالح الذي يعيد بناء الحضور الموروث من عمه الرئيس السابق علي عبدالله صالح ولا يملك ملعبًا سياسيًا وعسكريًا مؤهلا لتحقيق ذلك حاليًا غير الساحل الغربي؛ وتبلور هذا من خلال إنشاءه المكتب السياسي للمقاومة الوطنية التي ترتبط كمشروع سياسي أيضا بالنطاق الجغرافي السواحلي؛ وربما، تتلاشى كقيمة سياسية إذا خرجت عن هذا النطاق.

"يمكن تقسيم مجموع القوات المشتركة في الساحل الغربي إلى ثلاث قوات متباينة الأهداف يجمعها مسرح عملياتي واحد وغرفة عمليات واحدة"

ويبقى السؤال: طالما وأنّ قوات العمالقة الجنوبية قد حرصت على إنشاء أربعة ألوية بقوام تهامي كقيادة وأفراد، كتعويض عن انسحاب الحراك التهامي من المشهد العسكري، فما مصير هذه الألوية إذا ما قررت بقية قوات العمالقة غير التهامية العودة لقتال الحوثيين في جبهات جنوبية أو في أقصى شمال الشمال كصعدة مثلا؟

إنّ المعطيات السابقة ترجّح عودة دعم التحالف العربي للحراك التهامي الذي نشأ في 2011، وما زال يمثّل المقاومة التهامية، رغم فقدان سيطرته على جزء كبير من الألوية العسكرية التهامية التي توزّعت على بقية الكيانات الأعضاء في القوات المشتركة؛ فقوات حرّاس الجمهورية أو قوات العمالقة وإن كانت تدير المقاتلين التهاميين في صفوفها، إلا أنّ من غير الوارد مقدرتها على كسب الحاضنة الشعبية التهامية بالقدر الذي يمثله الحراك التهامي للقضية التهامية، وهو عامل مشترك قوي لصالح الحراك التهامي يشترك فيه المقاتلين والمدنيين من أبناء تهامة. كما أنّ الألوية التهامية التي نشأت في البداية انبثقت عن المقاومة التهامية، فإنّ المقاومة التهامية نفسها كانت قد انبثقت عن الحراك التهامي؛ ويبقى الانتماء الحراكي للقضية التهامية جامعًا لكل أبناء تهامة رغم تبايناتهم كنموذج مشابه للتحيّز للقضية الجنوبية لدى كل الأطراف الجنوبية المتباينة.

ويبدو أنّ الحراك التهامي قد أرسل إشارات قوية بتمسكه الدائم كشريك للتحالف العربي في الساحل الغربي في آخر مقابلة صحفية لقائده عبد الرحمن حجري أجرته معه صحيفة العرب اللندنية؛ وإذا لم تكن التحفظات السابقة للتحالف على قيادة الحراك جوهرية؛ فمن المرجّح أنّ عوامل إمكان جمع الانتماء العسكري التهامي والحاضنة الاجتماعية التهامية في قالب الحراك التهامي واردًا؛ إذا ما تم تجاوز التحفظات التي أدت إلى توقف الدعم عنه سابقا.

في ضوء كل ذلك، يُمكن القول أنّه على الرغم من التغيّر المستمر في الديناميكيات العسكرية في باب المندب والساحل الغربي، إلا أنّ الثابت الوحيد بالنسبة للقوى اليمنية هو استعادة باقي المناطق من الحوثيين، وإن اختلفت الأهداف الاستراتيجية لكل طرف.
------------------------------
نقلا عن موقع سوث24
مصدر هذا الخبر وقع محافظة الحديدة:
https://yemen-online.club
عنوان الرابط لهذا الخبر هو:
https://yemen-online.club/?no=86065