ما لا تود أن ترأه من مظاهر معطلة للحياة التي تبعث بالإحباط، ستراه قد خلفته جماعة الحوثي في الحديدة، وكل ما شاهدته من ظلم بحق الضعفاء في أفلام الدراما المرعبة على شاشة التلفاز، ستشاهده واقعًا ملموسًا بهذه المحافظة التي يعاني معظم سكانها من فقر مدقع وسوء تغذية حاد، ويفتقرون لأبسط متطلبات المعيشة.
في 18 ديسمبر من عام 2018 م جرى التوقيع على اتفاق ستوكهولم بين الحكومة وجماعة الحوثي، في مملكة السويد، برعاية الأمم المتحدة، والذي يقضي بوقف إطلاق النار في الحديدة، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى المحاصرين في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي.
لكن ذلك الاتفاق المشؤوم لم يكن سوى حبر على ورق، وغطاء أممي يشرعن للحوثيين العبث بحياة المدنيين والتصرف بممتلكاتهم، ذلك أن المليشيات الحوثية لم تلتزم بوقف إطلاق النار ولم تسمح باغاثة المتضررين، فقد حدث عكس ذلك تمامًا، حيث اشهر مسحلي الحوثي فهوات نيرانهم بشراهه، وقاموا بنهب قوافل الإغاثة التي وصلت إليهم، وزرعوا المتفجرات في طريق البعض الآخر، بعد أن تغافلت البعثة الأممية عن مهمتها.
ما تعرضت له الحديدة في ظل سريان الهدنة الأممية لم يكن أمرًا سهلًا ولا عاديًا، فما فعله الحوثيين هو إبادة للمدنيين دون التفريق بين امرأة أو طفلًا أو كهلًا بكل وسائل الموت، واستخدام بعضهم دروع بشرية، وتشريد جماعي للأسر؛ أعقبها موجه نزوح تلو الموجه، وهدم للمنازل والممتلكات العامة والخاصة، وشل الخدمات، وتدمير للمرافق الحيوية، وإحراق للمزارع، وإغلاق الممرات أو تفخيخها بالالغام والمتفجرات.
واصبح الألم والحزن والقهر والنحيب والانين يسكن في كل منزل يقع تحت سيطرة مليشيات الحوثي، وفي مناطق خطوط التماس والقريبة منها؛ كونها ترزح تحت وطأة النار والشرار ليل ونهار.
فلا تكاد تدلف إلى منزل أو كوخ الا ووجدت اما أم تارملت بعد أن مات زوجها بنيران الحوثيين، ولا تدري كيف تؤاسي إبناءها وبناتها الأيتام، واما أب مقهور عاش عمره مستور الحال وفجأه وجد نفسه في مخيمات النازحين عديم الحيلة؛ بعد أن صبت هاونات الحوثي على منزله ودمرته وقد أخذت روح أحد فلذات كبده.
واما شابًا أو شابة بترت ألغام الحوثي – التي حولت الساحل الغربي إلى أكبر حقول ألغام على مستوى اليمن – أطرافها أو اخترقت رصاصة قناصة حوثية جسدها، واضحت معاقة طريحة وآخرين يعانون بصورة مختلفة، واحسن الأحوال أن تجد عائلة خائفة وترتعد من أن تصيبها تلك القذائف والصواريخ والطلقات النارية الحوثية التي تتصاعد أصواتها إلى آذانهم بشكل يومي.
ثقيلة الذكرى الثانية لاتفاق ستوكهولم على أهالي الحديدة، نتيجة الواقع المأساوي الذي اورثتة بعد عامين من الحسرة، عامين تكاثر فيهما الحزن، والم الفقد وعذابات البؤس، وخابت آمالهم بالأمم المتحدة وبعثتها، ومن رحم المعاناة بدأت صرخت دعوات الغضب الشعبي لإنهاء اتفاق ستوكهولم. ياترى هل ستعيد الأمم المتحدة النظر في مسؤوليتها الإنسانية تجاه أهالي الحديدة، ام أنها ستخذلهم عام جديد؟