معركة الغاز.. عنوانٌ قد يبدو مبهرا سينمائيا، لكن الإبهار لن يكون بالقدر الذي سيصدم اليمنيين بمخططات إخوانية شيطانية كشفت عن أطماع التنظيم الإرهابي بثروات هذا البلد.
فرائحة الغاز المسال من منشأة "بلحاف" في محافظة شبوة، أسالت لعاب حزب الإصلاح، ذراع إخوان اليمن، فأشعلوا الأرض تمردا، سعيا نحو فتنة تفتح بوابات الفوضى وتعبد طرق النهب.
أطماعٌ إخوانية لم تكن وليدة اللحظة لكنها تمتد لنحو عقدين من الزمن عندما شيّد اليمن أكبر مشروع اقتصادي في البلاد، ليفتح عيون الإخوان على منابع النفط والغاز وموانئ التصدير، وعلى رأسها منشأة "بلحاف" للغاز الطبيعي.
و"بلحاف" هي مرفأ تصدير ومحطة إنتاج تديرها الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال وعدد من الشركاء الدوليين، وتقع في محافظة شبوة (جنوب)، وتعتبر من أهم المشاريع الاقتصادية بالمنطقة.
وتوقفت "بلحاف" عن العمل بعد انقلاب مليشيات الحوثي وانفجار الحرب أواخر 2014، ورغم تحريرها في العام التالي 2015 إلا أنها لم تعاود العمل، بسبب الظروف الأمنية.
وتتولى قوات الحكومة اليمنية والتحالف العربي لدعم الشرعية باليمن، مهمة تأمين المنشأة الاستراتيجية، من أي هجمات إرهابية لرباعي الإرهاب المتمثل في الحوثي والقاعدة وداعش والإخوان.
ومؤخرا، نفذت قيادات إخوانية عسكرية وأمنية انقلابا فاشلا على السلطة المحلية في شبوة، أحيا أطماعهم القديمة الجديدة بالسيطرة على منابع النفط والغاز منها منشأة "بلحاف"، لكن ذلك اصطدم بقوات العمالقة وقوة دفاع شبوة التي أخمدت التمرد بسرعة.
وينظر مراقبون إلى التمرد الإخواني في شبوة إلى حد كبير على أنه جزء من أطماع التنظيم الإرهابي الدولي للسيطرة والاستحواذ على منشأة "بلحاف" التي يبلغ إنتاجها السنوي 6.7 مليون طن من الغاز المسال.
وتقع منشأة بلحاف الاستراتيجية على بعد 130 كيلومترا من عتق، عاصمة شبوة، وبدأ تأسيس المشروع فعليا عام 2004 من قبل الحكومة اليمنية، إبان عهد الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، وعدد من الشركاء الدوليين على رأسهم شركة "توتال" النفطية الفرنسية، لكن المشروع دخل حيز الإنتاج بعد ذلك بـ5 أعوام.
ووفقاً لتقارير دولية ويمنية فقد بلغت تكلفة المشروع حوالي 4 مليارات دولار أمريكي، ويصل عدد المساهمين فيه إلى 5 شركات دولية بجانب الحكومة اليمنية.
وتستحوذ شركة "توتال" الفرنسية على نصيب الأسد بنسبة 39.62% وهي الشركة التي تدير فعليا تشغيل المشروع.
فيما تبلغ حصة الحكومة اليمنية 21.73%، أما بقية الحصص فتتوزع على شركة "هنت" الأمريكية و"إس كيه" الكورية الجنوبية و"الكورية للغاز" و"هيونداي".
وشُيدت هذه المنشأة بغرض تسييل وتصدير الغاز الطبيعي المُستخرج من محافظتي شبوة ومأرب، حيث ترتبط بالحقول الغنية بالغاز في حوض مأرب عن طريق خط أنابيب بري بطول 322 كيلومتر.
ويتمتع موقع بلحاف الاستراتيجي بحماية من الزلازل وسواتر طبيعية من الأمواج والرياح الموسمية، وتتألف من خطين ينتجان نحو 6.7 مليون طن سنويا.
وطيلة 7 أعوام من عمر الانقلاب الحوثي واختطاف الإخوان لقرار الشرعية، كانت حقول النفط ومنشآته في المثلث النفطي اليمني (شبوة، وادي حضرموت، مأرب) تخضع لحماية قوات موالية لحزب الإصلاح وكبار قياداته النافذة باستثناء منشأة "بلحاف" للغاز المسال الطبيعي.
وجنى الإخوان مليارات الدولارات مقابل التأمين، هذا إلى جانب استحواذهم على صفقات النفط والغاز الضخمة وإنفاق الثروة بعيدا عن أطر الدولة اليمنية.
ومؤخرا وجهت قوات العمالقة الجنوبية صفعة مدوية للإخوان وذلك بعد أن تسلمت مهام حماية شركة "جنة هنت القطاع 5 النفطي" في مديرية عسيلان شمالي غربي شبوة التي تتألف من 3 حقول نفطية.
بالتزامن مع تمرد الإخوان في شبوة، بثّ تنظيم الإخوان الإرهابي عبر أبواقه الإعلامية سيلا من الشائعات حول منشأة بلحاف مروجا لأكاذيب تستهدف دول التحالف العربي وتحديدا الإمارات وهي افتراءات سبق أن فندتها الحكومة اليمنية الشرعية.
أحدث هذه الشائعات التي سعت يائسة إلى خلق مبرر لإشعالهم المعركة في شبوة، مزاعم حول "زيارة وفد فرنسي إلى شبوة، ولقائه مع المحافظ وضباط إماراتيين في منشأة بلحاف الغازية وتوقيع عقود لتصدير الغاز".
واستخدم الإخوان صورة قديمة من زيارة المبعوث الأمريكي إلى اليمن في مارس/آذار الماضي، لتأكيد شائعاتهم، قبل أن ينبري نشطاء وسياسيون في فضح افتراءات أبواق الإخوان وعدم وجود أي عقد فرنسي يمني حديث بشأن تصدير الغاز من اليمن إلى أوروبا.
وقال الباحث نبيل الصوفي إن "مصدري وهم الغاز ينشرون صورة لاجتماع عُقد قبل 4 أشهر لدى استقبال محافظ شبوة للمبعوث الأمريكي ليندر كينج، والقائمة بأعمال السفير الأمريكي، والأشقاء الإماراتيين، كدعم لعملية تحرير مديريات بيحان" من مليشيات الحوثي".
وأكد عدم وجود أي خطط حول الغاز، مشيرا إلى أن "افتراءات الإخوان بشأن بلحاف لا تختلف عن مسلسل أكاذيبهم بشأن نهب شجرة دم الأخوين من سقطرى وسحب ميناء عدن".
كما نفت السفارة الفرنسية في اليمن بشكل رسمي، اليوم الجمعة، شائعات إخوانية زعمت وجود عسكري لبلادها في منشأة بلحاف للغاز الطبيعي المسال في شبوة.
وذكرت السفارة على حسابها الرسمي في منصة تويتر، "لقد علمنا بمزاعم تشير إلى وجود عسكري فرنسي مزعوم في موقع بلحاف في اليمن، هذه شائعات لا أساس لها من الصحة على الإطلاق وننفيها بشكل رسمي".
خلافا للشائعات والتمرد، فمخطط الإخوان للسيطرة على منشأة بلحاف شهد أعلى ذروته إبان تولي رجل الإخوان الأول في شبوة محمد صالح بن عديو حكم المحافظة (2018- 2021).
ودأب الرجل على تبرير أطماع الإخوان في النفط والغاز بدعوى تشغيل منشأة بلحاف، إذ خرج حينها بتصريحات تلفزيونية على فضائيات تعادي وجود التحالف العربي لدعم الشرعية باليمن واختلاق معارك جانبية لا تحصى.
آنذاك، قالت مصادر عسكرية، إن مليشيات الإخوان واصلت التضييق على قوات اللواء الثاني مشاة بحري، الذي يتخذ من معسكر "العلم" مقرا له، ويتولى مسؤولية حماية ميناء بلحاف النفطي، عبر استقدام مسلحين من خارج شبوة ونصب حواجز أمنية.
وسعى الإخوان حينها لإشعال المظاهرات القبلية في مسعى لتمرير مخطط "السيطرة على منشأة بلحاف تحت غطاء الثأر القبلي، وتفجير صراع قبلي بيني يهدد النسيج المجتمعي في المحافظة.
وبعد سقوط تلك المخططات بتعيين رجل شبوة القوي الزعيم القبلي عوض بن الوزير العولقي، في ديسمبر/كانون الأول 2021 تهاوت أحلام التنظيم الإخواني، ولم يتبق لأبواقه سوى منابر الفتنة لبث الشائعات واختلاق الأكاذيب وتأجيج الحرب ضد الشرعية إعلاميا وعسكريا.
ويرجع خبراء تصاعد أطماع الإخوان للسيطرة على بلحاف بشكل رئيسي إلى عام 2011 بعد دعمهم سلسلة الهجمات على إمدادات الغاز الطبيعي المسال في اليمن عبر خلايا إرهابية وعقائدية استهدفت الإخلال بالأمن للسيطرة على المنشأة الحيوية.
وكان محافظ شبوة الحالي عوض العولقي، قد صرح في وقت سابق بأن "استئناف عمل منشأة بلحاف الغازية؛ قرار يعود اتخاذه للشركاء الدوليين في شركة (YLNG)، والحكومة اليمنية ومجلس القيادة الرئاسي".
وتصدر الشركة الغاز الطبيعي المسال بموجب عقود آجلة لجي.دي.اف سويز وتوتال وشركة الغاز الكورية الجنوبية، لكن حتى الآن لم يُشر أي من الشركاء في مشروع بلحاف وأبرزهم شركة توتال الفرنسية إلى أنهم جاهزون لذلك.