بعد مرحلة عمرية حافلة بالعطاء والجهد والانشغال يصل الإنسان إلى مرحلة مهمة من مراحل حياته وهي مرحلة التقاعد. ما يلفت النظر هو ما يراه المتأمل من اختلاف في أحوال المتقاعدين، فعلى حين يرى البعض منهم وقد غمرته السعادة وأحاطه الأنس من كل جانب وعلا محياه السرور، نجد أن البعض الآخر يعامل نفسه "كجلمود صخر حطه السيل من عل"! إذ تغشاه الكآبة والملل ما ينعكس على صحته ومجمل حياته. الإنسان أثناء انهماكه في العمل ينسى نفسه ويعمل من أجل الآخرين فكان عليه أن يدرك أنه قد حان وقت التقاعد ليعمل من أجل نفسه، وليملأ رئتيه بالهواء النقي الخالي من المنغصات! ثم ليشرع في رفع هرمونات السعادة من خلال ممارسة هواياته التي كان ضغط العمل يحول بينه وبينها. فإن كان محبا للسفر فقد حان وقت السفر دون أن يحتاج إلى إذن وإن كان محبا للقراءة فحيهلا بالعودة إلى مكتبته وكتبه التي قد يكون قد علاها الغبار، وهلم جرا.
لقد أحسنت بعض الدول حين استبدلت كلمة المتقاعدين بجملة كبار المواطنين حتى لا يشعر المتقاعد أنه عالة على المجتمع بعد تركه وظيفته، المتقاعد بحاجة دون شك إلى النظرة الإيجابية من أهله وأقاربه ومجتمعه فهو الذي أفنى زهرة شبابه في خدمتهم فليس من الوفاء في شيء أن يقابل ذلك بالعقوق.
إذا عاش الفتى 60 عاما
فنصف العمر تمحقه الليالي
ونصف النصف في هم وغم
وشغل في المكاسب والعيال
المتقاعد يأمل في الحصول على رعاية صحية تناسب وضعه المادي وأن تقوم المستشفيات المتخصصة بتخفيض أجور ما قد يحتاج إليه من علاج وهو أمر معمول به في عدد من الدول المتقدمة طبيا. يحتاج أيضا إلى مراعاته في زحمة المطارات وفي مواقف الانتظار ليس بسبب عجزه وضعفه بل تقديرا من المجتمع له.
وفق بحث نشر في المجلة الأمريكية للطب الوقائي American Journal of Preventive Medicine أظهرت الدراسة دورا إيجابيا للتقاعد فيما يتعلق بالصحة، معللة ذلك بأن المتقاعدين تمكنوا من زيادة النشاط الأسبوعي وقلت عندهم مدة الجلوس اليومي كما انتظمت ساعات النوم، لذا نقول لعزيزنا المتقاعد القرار في يدك، إما أن تهتم حال تقاعدك بجمال الحياة وإيجابياتها وتلتفت لتغذية روحك وعقلك وجسمك بما يفيد، وإما أن تتحمل لا قدر الله النتائج المترتبة على خلاف ذلك.
author:
د. منصور السعيد
Image:
Image: