في بلادنا، ومع هذه الحرب الطاحنة التي تعصف بكل شيء منذ أكثر من ٧ سنوات، وفي ظل بيئة العمل الصعبة خاصة في القطاع الحكومي المفخخ بعجز الدولة ومشاكلها المتراكمة، ومقدراتها المفقودة، والمحاولات المجهدة لاستعادتها، والتركة الثقيلة للانقلاب وآثاره المختلفة، إضافة إلى قلة الوعي وعدم ارتقاء كثيرين إلى مستوى المرحلة الصعبة التي تمر بها اليمن، وكذا الصراعات الحزبية والمناكفات وحملات البحث عن المصالح الشخصية وغيرها، في ظل كل هذه الأوضاع، تصبح مهمة تحمل المسؤولية العامة حملا ثقيلا للغاية، أكثر من أي وقت مضى، وسيأتي!
هذه الظروف الصعبة كان من المفترض أن تزيد في رغبة الجميع في العمل المشترك للتغلب عليها، لكن للأسف تطالعنا كل يوم تقليعات جديدة في الضرب و"التنشين" على كل من يحاول، ويعمل ويقدم شيئا، حتى أن الأمر لم يعد استهدافا شخصيا فحسب، بل في لحظة نزق وطيش صبيانية غير مرتبطة بالسن والعمر، تحول إلى استهداف ممنهج من مؤسسة إعلامية يفترض أنها مكتملة، بحق مؤسسة حكومية كبيرة فيها خيرة كوادر البلد!
أتحدث هنا عن حملة الاستهداف المؤسفة التي تقوم بها صحيفة "أخبار اليوم" وناشرها وصاحبها والمتحكم بكل تفاصيلها وأصغر شؤونها "سيف الحاضري" بحق وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وقيادتها وعلى رأسهم الوزير الدكتور خالد أحمد الوصابي، الذي شهدت الوزارة في فترته نقلات كبيرة ومهمة إلى الأمام، وهو المسؤول الحكومي المتدرج في صعوده، والمشهود له بكفاءته وقدراته، والأكاديمي الخبير في مجاله، والعامل على الأرض الرافض مغادرة البلد ككثير من أقرانه وأسرهم، والذي لم يغب عن الدوام مع موظفيه في العاصمة عدن منذ أن كان نائبا قبل سنوات، ولم يتخلف عن مواجهة أي مصاعب رغم كثرتها في مثل هكذا وزارة خدمية، لا تملك أي موارد، لكنها غنية بالمشكلات.
لست هنا بصدد الحديث عما حققه الدكتور الوصابي في الوزارة وفي ملفات كثيرة متعلقة بالتعليم العالي والتعليم الفني رغم الظروف الصعبة والعقبات المالية التي كانت هي الأثقل على كل أجهزة الدولة ومؤسساتها، وتأثيراتها المباشرة على ملفات كثيرة وعلى رأسها "مستحقات المبتعثين" بكل تراكماته وحساسيته، لكني أتعجب من جرأة مؤسسة صحفية ك"أخبار اليوم" على أن تهبط إلى مستوى إطلاق الاتهامات العامة، بصورة مضحكة وغير منطقية لا تليق بأمي لم يعرف القراءة والكتابة يوما، ولا يفهم - مثلا - في روايات الأدب العالمي إلا بمقدار ما يفهمه "سيف الحاضري" في الصحافة!
ببوسترات ضخمة، ومانشيتات عريضة، تعنون الصحيفة التي كانت غارقة في الديون، وأعلن مؤسسها إغلاقها بعد مناشدات كثيرة واستجداءات لمختلف الجهات بحثا عن تمويل، ثم عادت فجأة للحياة بلون غير لونها، بل ولون مختلف كل يوم.. تعنون الصحيفة وهي ترفق صورة لوزير التعليم العالي: "تاجر المنح وعدو الجيش الوطني"!
هذا العنوان فقط كاف لتبيين العقلية الصغيرة والطفولية الباعثة على الشفقة لكاتبه والناشر، ولا يحتاج الأمر تعليقا أكثر من ذلك.
ولمن يحترم عقله، ويتابع بإنصاف وتجرد، سيجد أن الوزارة تعلن في موقعها الرسمي كل ما يتعلق بالمنح، ابتداء من الإعلان عنها، والشروط المطلوبة، وضمان حق التنافس للجميع، مرورا بمتابعة خطوات الترشح، ومن ثم الإعلان عن كافة الأسماء الفائزة، والدول التي فاز بها كل مبتعث، والتخصص، والجامعة، مع ذكر كافة المعايير التي فاز على إثرها وعلى رأسها نشر المعدل العلمي، والمعدل العام، ودرجات اختبار القبول في الحالات التي تتطلب وجود اختبار.
مع الاشارة الى أن كل المنح التي حصلت عليها بلادنا هذا العام لا تتجاوز ١٧٠ منحة تقريبا، فيما يهرج الحاضري بجنون ويتحدث عن ألفي منحة، فيما يبدو أنه "عمى أرقام" بالنسبة لرجل لا يهمه إلا أن يحقق ربحا برقم، وشيكا برصيد كبير، ولا تهمه الطريقة والأسلوب!
أما مسألة "عدو الجيش الوطني" فهذه "نكتة سمجة" لا يضحك لها سوا الحاضري ورفيقه الوحيد في غرفة التحرير والذي تفتقت عبقريتهما في تحرير هذا العنوان العجيب، فمواقف الدكتور الوصابي واضحة ومعروفة، قولا وفعلا، ويجهر بها في مختلف وسائل الإعلام فيما يتعلق بالموقف الوطني ومقاومة مليشيا الإرهاب الحوثية بكل الطرق والوسائل وعلى رأسها "التعليم" والذي هو حجر الزاوية في هذه المعركة العصيبة لاستعادة الدولة وتحرير الوطن..
ولمزيد من الإضافة لمعلومات الحاضري وصاحبه، فالحديث عن وزير للتعليم العالي، والتهمة معاداة الجيش الوطني!
مستوى الربط هنا فقط يؤكد يقينا بعد أولئك عن عالم الصحافة..والعقل أيضا!
هذا البؤس في الطرح، يؤكد أن مثل هذه الشخصيات والقوى التقليدية الحزبية والمناطقية ومراكز النفوذ القديمة المحسوبة عليها والتي ساهمت بشكل أو بآخر في إسقاط الجمهورية، لم تستفد من كل الدروس رغم فداحة الثمن الذي دفعه عامة الناس وكل البلاد، وهاهي تعاود الكرة في محاولة التحكم بأمور كثيرة في الدولة، دون إدراك لمتغيرات الزمن واختلافات الواقع..
كما تؤكد أن هذه الأدوات الصدئة لا تجد غضاضة في فعل كل شيء لتحقيق مصالحها الذاتية، حتى عبر أكثر الطرق سوءا وقبحا.
وبالعودة إلى أصل الموضوع، وسر هذه الحملة، يتضح إلى أي حد مؤسف وصل الحال، فمن خلال عملي في الوزارة، وبعد تفاجؤنا جميعا من هذه الحملة العجيبة، اطلعت من أحد المسؤولين على سر هذه التوجه الجارف وغير المحسوب إلى ممارسة الابتزاز، والتحريض والتشهير، وإطلاق التهم بطريقة فوضوية وغير عقلانية، والتي لجأ إليها "الحاضري" وسخر لأجلها صحيفة ك"أخبار اليوم" ، وهي الحملة التي جاءت إثر مطالبته بالحصول على عدد من المنح لبعض أقاربه، والذين أدخلت ملفاتهم في خانة المنافسة والانتظار، في ظل وجود ملفات أكثر لمستحقين ومتفوقين لا زالوا في طابور الانتظار لأي منح جديدة !
لكن "سيف" لم يطق الانتظار، فذهب يطعن في كل شيء أمامه، ويهتز في الهواء مرددا: "من أنتم" وهي الجملة التي عنون بها مقالا له يهاجم فيه منتقديه، على طريقة حاكم ما ربما يشبهه في بعض الصفات، فضلا عن العبارات والسلوك الإداري في تحويل كل شيء لصالح "الفرد الواحد"، دون أن يدرك انه لم يطعن سوا نفسه، ومصداقيته، والصحيفة التي كنا نظن أنها أكبر من مستوى صفحة شخصية لصاحبها !
هنا الكارثة، تريد أن تأخذ حق غيرك، أو أن تمارس الابتزاز والتهديد والتحريض واستخدام سلطة الصحافة وقداستها المفترضة، في مهمة غير نظيفة كهذه التي تمارسها الآن؟!
ختاما، أردت فقط أن أوضح على عجالة بعض الحقائق، رغم كونها واضحة وجلية، مع ترك الرد المفصل للدائرة القانونية في الوزارة وبقية الأطر الرسمية فيها والتي تعي عملها جيدا، وستنشر كل شيء بما في ذلك ملفات أقارب الحاضري والتوجيهات ومحاولات الابتزاز الرخيصة، وهو توضيح صغير ممزوج بأسى كبير على واقع الصحافة في اليمن الذي تسيء إليه مثل هكذا تناولات..
مع التقدير لكل من لا زالوا على عهد الكلمة وميثاق القلم وضمير الحرف..بعيدا عن منحرفي الضمير!