" ست حاويات ستجهز على ما تبقى من قيمة الريال" ، بهذه العبارة يعلق الصحفي صلاح السقلدي على خبر وصول حاويات ممتلئة بعملة مطبوعة الى مقر البنك المركزي في عدن.
وفي الوقت الذي دخلت فيه هذه الحاويات بما تحمله من كميات ضخمة من العملة المطبوعة ، كان سعر الريال في المحافظات المحررة يواصل رحلة الانهيار وبات على بعد خطوات من كسر حاجز الـ 1000 ريال امام الدولار الأمريكي.
ويتوقع متابعون للشأن الاقتصادي بان يتم كسر هذا الحاجز خلال الأيام القادمة ، مع وصول هذه الكميات الجديدة من العملة المحلية والتي تقول مصادر إعلامية بانها تبلغ 250 مليار ريال يمني.
مصادر في البنك المركزي تبرر لجوء الحكومة الى هذا الخيار رغم اثاره الكارثية على العملة، للوفاء بالتزامات الحكومة في دفع الرواتب للموظفين المدنيين والعسكريين ، وان البنك يعاني من ازمة سيولة حادة منذ مطلع العام.
مشيرة الى ان وصول هذه الكميات من العملة سمح للبنك بصرف راتب شهري ابريل ومايو لموظفين النازحين في عدن ، والاعلان اليوم عن بدء إجراءات صرف راتب ديسمبر الماضي لقوات الجيش والأمن في عدن والمحافظات المجاورة.
الا أن هذه التبريرات ينفيها الإعلامي العسكري ورئيس صحيفة الجيش علي منصور مقراط الذي سخر من الإعلان عن صرف راتب شهر واحد فقط لقوات الجيش والأمن.
حيث قال بأنها تأتي في حين "أن السيولة النقدية في البنك المركزي حالياً تجاوزت مئات المليارات من الريالات " بالإضافة الى ما وصل منها حديثاً.
ويطرح لجوء الحكومة الى خيار طباعة العملة عن جحم ومصير إيرادات المناطق المحررة ودورها في تغطية النفقات، ولماذا ترفض الحكومة الإفصاح عنها او الكشف عن سبب عدم تحصيلها كما اعترف رئيسها معين عبدالملك في حوار تلفزيوني أواخر العام الماضي.
حيث أقر معين حينها بأن نحو 80% من الإيرادات لا يتم تحصيلها في المناطق المحررة بسبب الفساد ، وهو رقم ضخم ، وتقول مصادر مطلعة بأن ذلك هو ما دفع بالجانب السعودي الى عدم تقدم وديعة جديدة من العملة الصعبة بعد نفاد السابقة والتي بلغت ملياري دولار.
وبحسب المصادر فان السعودية كانت قد وعدت اثناء مفاوضات تشكيل الحكومة العام الماضي بتقديم وديعة اكبر من الوديعة السابقة ، شريطة ان تبدأ الحكومة في بذل جهود حقيقية لتحصيل إيرادات المناطق المحررة الى البنك المركزي اليمني.
وسبق وان شكى محافظ عدن احمد لملس في تصريحات سابقة له، من حرمان المحافظة من مواردها المركزية ، مؤكداً بانها المحافظة الوحيدة التي تورد ايراداتها بالكامل الى البنك المركزي على عكس باقي المحافظات المحررة ، مضيفاً "إما أن يلتزموا بالتوريد للبنك وللسلطات المركزية، أو يعطى حق عدن".
يشير حديث محافظ عدن هنا الى الاتهامات التي توجه الى سلطات المحافظات المحررة التي ترفض توريد الإيرادات السيادية الى فروع البنك المركزي ، وعلى رأسها مأرب التي ترفض فيها السلطة المحلية منذ بداية الحرب توريد عائدات النفط والغاز الى فرع البنك المركزي في المحافظة.
ومنذ 6 سنوات ترفض سلطات المحافظة المسيطر عليها من قبل الاخوان الإفصاح عن مصير عائدات بيع النفط المكرر في السوق والمحلية، وكذا إيرادات الغاز المحلي التي تغذي محافظات اليمن وتشير تقديرات الى انها تتجاوز 300 مليون ريال يومياً.
وبحسب مصادر مطلعة فان سلطات المحافظة ومنذ بداية الحرب تقوم بتوريد العائدات الى احدى شركات الصرافة الخاصة ويتم الصرف منها بنظر المحافظ سلطان العرادة دون تدخل الحكومة، وترفض توريدها الى البنك المركزي بذريعة مواجهة نفقات الحرب واستيعاب المحافظة للنازحين.
والى جانب مأرب تشير الاتهامات الى عدم توريد عائدات المنافذ البرية في كل من المهرة وحضرموت ، والتي تصل الى عشرات المليارات سنوياً ، وسبق وان أرسلت وزارة النقل خلال الفترة الماضية لجان منها الى هذه المنافذ لضبط عملها وتوريد إيراداتها الى فروع البنك المركزي.
وفي تعز الخاضعة لسيطرة جماعة الاخوان تتقاسم مليشيات الجماعة المسيطرة على الأرض اغلب إيرادات المحافظة دون توريدها الى البنك المركزي ، في حين تقوم السلطة المحلية بالاستحواذ على ما تبقى تحت لافتة متعددة منها "الجرحى" و "الجبهات".
ومع فشل الحكومة في ضبط تحصيل الإيرادات من سلطات المحافظات المحررة ، ترفض أيضا الإفصاح بشفافية عن حجم الإيرادات التي يتم تحصيلها الى البنك المركزي ، وعلى رأسها عائدات النفط المصدر من حقول النفط في حضرموت.
وفي منتصف ابريل الماضي قامت الحكومة بتصدير ثاني دفعة من نفط حضرموت منذ بداية العام بقيمة 150 مليون دولار، أي عائدات الحكومة من تصدير النفط خلال الـ4 اشهر الأولى من العام الحالي بلغت 300 مليون دولار ، بقيمة تتجاوز 240 مليار.
وفي فبراير الماضي كشف مصلحة الجمارك عن حجم الإيرادات الجمركية خلال العام 2020م، وقال بانها بلغت 286 مليار ريال بزيادة 15% عن العام 2019م.
هذه الأرقام المعلن عنها والتي تشير الى تحصيل الحكومة إيرادات بمليارات الريالات غير معلن عنها، تقلل منها الحكومة ورئيسها بالحديث عن تضخم النفقات والالتزامات ومنها رواتب الموظفين والقطاع العسكرية والأمن.
رغم ان الحكومة لا تزال الى اليوم تدفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها فقط وتبقى النسبة الأكبر من موظفي الدولة في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي ، كما ان عمليات صرف رواتب الجيش والأمن التابع لها غير منتظمة شهرياً.