شهدت العاصمة السعودية الرياض الاثنين حدثاً سياسياً لافتاً باستقبالها لأمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني ووزير خارجية تركيا، مولود جاويش أوغلو، في زيارتين منفصلتين، لطرفين مثلا حلفاً مشتركا لمواجهة السعودية.
زيارة وزير الخارجية التركي هي الأولى من نوعها منذ أربعة سنوات، في حين تعد زيارة أمير دولة قطر هي الثانية بعد مشاركته في القمة الخليجية التي استضافتها السعودية وشهدت التوصل إلى "صلح العلا"، في يناير الماضي.
تزامن زيارة امير قطر ووزير الخارجية الى السعودي يعد مشهداً فارقاً يأتي بعد سنوات من العداء الظاهر للنظامين في قطر وتركيا وتحول الى ما يشبه الحلف المشترك ضد السعودية والدول العربية المتحالفة معها وعلى رأسها الامارات ومصر، عبر أدوات مختلفة يظل أبرزها جماعة الاخوان المسلمين التي مثلت رأس حربة لهذا الحلف لبسط نفوذه بالمنطقة العربية.
ليتفجر العداء التركي والقطري بشكل واضح مع سقوط نظام الاخوان في مصر عام 2013م، وبخاصة من قبل النظام التركي الذي أعلن عداءه للنظام المصري والدول العربية المؤيدة له وعلى رأسها السعودية والامارات.
وانعكس ذلك بتحول تركيا الى اوكار لقيادات التنظيم الدولي للإخوان الهاربة من مصر ومن الدول العربية، وتقديم الدعم المادي والسياسي والإعلامي لها ضد الأنظمة العربية الرافضة لمشروعها وصولا الى التدخل العسكري المباشر كما حصل في ليبيا لمنع سقوط سلطة الاخوان في طرابلس امام زحف الجيش الوطني الليبي.
وظهر التحالف التركي القطري بشكل واضح عقب الازمة التي تفجرت منتصف 2017م ، بإعلان السعودية والامارات والبحرين ومصر قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر واغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية معها ، جراء تزايد دعمها لأنشطة الاخوان والجماعات المسلحة لاستهداف هذه الدول.
ومضى التحالف التركي القطري بشكل متصاعد مع انشاء قاعدة عسكرية تركية ضخمة في قطر أواخر عام 2019م ، في رسالة تهديد وتحدي واضحة للسعودية على وجه التحديد ، خاصة مع تقوية كل من قطر وتركيا لعلاقتهم مع ايران العدو الأبرز للسعودية ، واصبح معه التحالف ثلاثياً بضم ايران اليه.
وكان اليمن أحد الساحات التي عمقت هذا التحالف الثلاثي بشكل واضح، بتطابق الخطاب التركي القطري وجماعة الاخوان ضد التحالف العربي مع الخطاب الإيراني وحليفه جماعة الحوثي، وانعكس بشكل جلي على الأرض بتساقط الجبهات العسكرية المسيطر عليها من الاخوان بيد جماعة الحوثي بشكل مريب مطلع عام 2020م.
وبالتزامن مع ذلك كان التحالف القطري التركي مزهواً بتراجع الجيش الوطني الليبي امام مليشيات الاخوان في طرابلس على أثر التدخل العسكري التركي الكبير بالأسلحة النوعية وعشرات الالاف من المرتزقة ، الا أن ذلك لم يدم طويلاً بعد تدخل مصر لوقف ذلك.
حيث هدد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في منتصف يونيو 2020م بالتدخل العسكري في ليبيا اذا تخطت مليشيات الاخوان خط "سرت – الجفرة" ، لتتغير الأمور في المشهد الليبي بشكل دراماتيكي انتهى بحل سياسي تم التوصل له يناير الماضي واثمر عن خارطة طريق وتشكيل سلطة تنفيذية تقود البلاد لانتخابات عامة نهاية العام الجاري.
هذا الانقلاب في المشهد الليبي اعقبه مواقف مفاجئة من قبل النظام التركي تجاه مصر وطلب إعادة العلاقة معها وتضييق الخناق على وسائل الاعلام الاخوانية التي تبث من أراضيها ، بالتزامن مع ذلك شهدت السعودية عقد قمة خليجية بحضور امير قطر وانتهت بما يعرف بـ"صلح العلا" لإعادة قطر الى الحضن الخليجي.
ولا يمكن اعتبار ما حصل في ليبيا السبب الوحيد في دفع قطر وتركيا نحو السعودية ، فعلى ما يبدو ان لكل نظام أسبابه المختلفة وان كان فشل الرهان على الاخوان على رأس ذلك ، فالأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تركيا بسبب سياسيات الرئيس اردوجان العدائية يمكن اعتبرها احد العوامل الهامة في تغيير سياسيات الرجل.
وبدأ ذلك بشكل واضح من تصريح المتحدث باسم اردوغان الذي اشار إن أنقرة ستبحث مع السعودية سبل إصلاح العلاقة وإمكانية رفع المقاطعة، في إشارة إلى حملة مقاطعة المنتجات التركية التي نظمت من قبل قطاعات واسعة من الشعب السعودي وكبدت الاقتصاد التركي خسائر فادحة.
أزمة اقتصادية لم يعد يجدي معها مليارات الدولارات التي كانت تضخها قطر في جيب اردوجان بين الحينة والأخرى تحت سيف الابتزاز ، وربما يكون التخلص من هذا الابتزاز هو الدافع الأبرز لمسارعة قطر الى حل مشاكلها مع جيرانها وانهاء المقاطعة المفروضة عليها.
فخسارة قطر السياسية من المقاطعة العربية كانت اشد وطأة عليها مع فشل جميع اوراقها وعلى رأسها الاخوان في الحاق الضرر بالدول العربية المقاطعة لها، كما ان تغيير سياسية أمريكا تجاه إيران والكشف عن مفاوضات سرية بين السعودية وايران يعني خسارتها لأخر ورقة او حليف يمكن اللجوء اليه.