منذ مطلع العام الجاري ومأرب تتصدر المشهد في اليمن بلا منازع وسط حديث عن عزم جماعة الحوثي الانقلابية التقدم نحو مدينة مأرب والسيطرة عليها.
أصداء المواجهات مأرب لم تقتصر على الداخل المحلي بل حازت على اهتمام الإعلام الدولي ايضاً، وقبل يومين بثت قناة "CNN" الأمريكية تقريراً ميدانياً يظهر مراسلها على خطوط المواجهات مع قادة الجيش الوطني.
كما حازت مواجهات مأرب على مساحة واسعة من التحليلات والتكهنات داخلياً وخارجياً تغوص في تفاصيلها وتأثيراتها على المشهد السياسي والعسكري في اليمن واعتبارها معركة فاصلة قد تحدد مصير التسوية السياسية التي يدفع المجتمع الدولي للوصول اليها.
وكحال المواجهات العسكرية التي تشهدها الخارطة اليمنية منذ مارس 2015م، تنشأ معها مواجهة إعلامية موازية بين طرفي المواجهات وانصارهما، يقدم فيها كل طرف روايته حول سير القتال والتأكيد بأنه الطرف المنتصر في المواجهة وتدعيم روايته بصور او مشاهد مصورة من أرض المعركة يستعرض فيها غنائمه وانتصاراته ويؤكد بها سيطرته على الأرض او يوثق بها خسائر الطرف الأخر.
الا أن هذا الأمر اختلف تماماً مع المواجهات التي تشهدها جبهات مأرب منذ بداية العام الحالي، فطرفي المواجهة وهما جماعة الحوثي الانقلابية وجماعة الإخوان المسيطرة الشرعية وعلى الأمور العسكرية في اليمن ومأرب على وجه الخصوص ، لم يقدما ما يوثق لهذه المعارك أو الانتصارات التي يدعيها كل منهما، ما يثير الشكوك حول حقيقة المعارك هناك.
ويمكن العودة الى أرشيف الإعلام الحربي التابع لجماعة الحوثي الانقلابية على مواقع التواصل الاجتماعي، ليظهر عدم وجود أي مادة مصورة حول المواجهات في جبهات مأرب او تدعم المزاعم التي يروج لها نشطاء الجماعة بالسيطرة على الجبهات والمواقع المحيطة بمدينة مأرب.
ويعود آخر ما نشره الإعلام الحربي الحوثي عن مأرب الى التقدم الذي حققته مليشياتهم في مديريات جنوب مأرب أواخر العام الماضي، وعلى العكس من ذلك نشر الإعلام الحربي عشرات المقاطع المصورة للمواجهات التي شهدتها جبهات تعز خلال الشهرين الماضين، ومنها الأحكوم ومقبنة.
واكتفت جماعة الحوثي خلال الفترة الماضية بنشر عدد من الصور عبر نشطاءها على مواقع التواصل الاجتماعي لإثبات مزاعم انتصاراتها في مأرب، رغم افتضاح تزوير بعضها، كما حصل مع الصور التي نشرها القيادي الحوثي حميد رزق مطلع الشهر الماضي للادعاء بوصول عناصر الحوثي الى سد مأرب، ليتضح لاحقاً زيف هذه الصورة، كما عزز ذلك الصورة التي التقطت بعد أيام لناطق التحالف تركي المالكي مع محافظ مأرب سلطان العرادة على ضفاف سد مأرب.
كما نشر نشطاء من الجماعة الحوثي فيديو يظهر عناصر الجماعة على سد مأرب، ليتضح لاحقاً بان الفيديو قديم ويعود الى بداية الحرب قبل تحرير السد والمناطق المجاورة منه، في مؤشر على غياب أي دليل على مزاعم مليشيا الحوثي بالتقدم على الأرض.
وفي الجهة المقابلة يكتفي اعلام جيش الشرعية المسيطر عليه من جماعة الإخوان ووسائل اعلام ونشطاء الجماعة بالحديث بشكل يومي منذ بداية العام عن صد هجمات عنيفة لمليشيات الحوثي في جبهات غرب وشمال مأرب وتكبيدها خسائر فادحة في الأرواح والمعدات دون تدعيم ذلك بأدلة ومشاهد مصورة توثق لهذه المواجهات وهذه الخسائر.
اعلام جيش الشرعية اكتفى خلال الفترة الماضية بنشر مقاطع فيديو قصيرة للمواجهات، الا أنها جميعها تظهر عمليات قصف مدفعي على مواقع لمليشيات الحوثي ولا تظهر أي جانب من مواجهات مباشرة بين الطرفين.
هذا الدلائل التي تعزز الشكوك حول حقيقة المواجهات الدائرة في مأرب وما يقوله الطرفين عنها، تؤكدها مصادر قبلية تحدثت لـ "الرصيف برس" عن حقيقة ما يدور هناك.
حيث تشير المصادر الى وجود تهويل كبير من قبل جماعتي الحوثي والإخوان حول المعارك الدائرة في مأرب، مؤكدة بأن ما يجري اشبه بمناوشات بين الطرفين أكثر منها مواجهات مباشرة.
وفسرت المصادر غياب أي توثيق من الطرفين لوجود مواجهات حقيقة ومباشرة، بسبب كون أغلب المواجهات التي تدور في جبهات مأرب منذ بداية العام هي مجرد تبادل للقصف المدفعي بين الطرفين دون وجود أي مواجهات مباشرة تذكر.
واضافت المصادر بان غياب الخسائر الكبيرة بين افراد الجيش ومقاتلي القبائل يعود الى عدم وجود أي عمليات هجومية للتقدم والسيطرة خلال الفترة الماضية، كما عدم وجود أسري من الطرفين خلال هذه الفترة دليل واضح على عدم وجود مواجهات مباشرة بين الطرفين.
وأوضحت المصادر بان النهج الذي تتبعه مليشيات الحوثي الانقلابية في المعارك مؤخراً يخالف ما قامت به أواخر العام الماضي للسيطرة على مديريات جنوب مأرب، وهو ما يؤكد عدم وجود مخطط واضح للتقدم نحو مدينة مأرب.
مشيرة بان المليشيات تكتفي حالياً بعمليات تسلل محدودة للسيطرة على بعض المواقع في جبهات شمال وغرب مأرب وتنسحب منها لاحقاً، وغالبية الخسائر التي تتكبدها تأتي من غارات طيران التحالف المكثفة.
وما قالته المصادر يقدم صورة لسير المعارك حالياً تشير الى أنها اشبه بعملية متفق عليها بين الطرفين أي جماعتي الحوثي والإخوان، تضمن استمرارها دون حسم حقيقي مع تهويلها إعلامياً وبشكل مبالغ فيه لمصالح خاصة بالطرفين وضربة للتحالف العربي الداعم للشرعية واظهاره ضعيفا وغير قادر على تغير موازين المعركة ولاسيما التفاوضية.
فجماعة الحوثي تمثل لها المعركة ورقة مالية مربحة في استمرار نهبها للموارد في مناطق سيطرتها وكذا نهب الأموال من المواطنين وتجنيدهم في صفوفها تحت لافتة الجنة الموعوده بالسيطرة على مأرب وحقول النفط والغاز.
كما ان معركة مأرب تمثل ايضاً عاملاً مهماً لجماعة الحوثي لاستمرار الدعم الإيراني لها، وابقاءها كورقة مساومة مفتوحة لتحسين شروطها التفاوضية في أي تسوية سياسية قادمة.
وعلى الجانب الأخر أي جماعة الإخوان تمثل معركة مأرب اشبه بالدجاجة التي تبيض لها ذهباً، فهي تضمن استمرار ابتزازها للتحالف الداعم للشرعية والسعودية تحديداً بتقديم مزيد من الأموال والأسلحة وبقائها المتحكمه بالشرعية وصاحبة الفضل في عدم اسقاط اخر معاقل الشرعية في مأرب .
كما ان المعركة تضمن للجماعة استمرار نهبها لعائدات مأرب من الغاز والنفط باسم معركة الدفاع عنها ومنع توريدها الى البنك والحكومة، وهي عائدات تقدر بمئات الملايين من الريالات يومياً.
وبين كل هذا ضاعت كل الآمال بالوصول الى صنعاء واستعادة الدولة وبالمقابل ضاعت جنة الحوثيين الموعودة باسقاط مدينة مأرب وتظل مجرد ضغط لما سيتفق عليه الجماعتين وهو تزويد الجماعة باحتياجات المناطق التي تسيطر عليها من المشتقات النفطية دون اي تهديد بانقطاعها.